فأما صدقته بالمدينة فقد دفعها عمر إلى عليّ و عباس , و أما خيبر و فدك فأمسكها عمر و قال: هما صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانتا لحقوقه التي تعروه و نوائبه و أمرهما إلى من ولي الأمر قال: فهما على ذلك إلى اليوم.
و أخرج البخاري (6730) عن عائشة رضي الله عنها أن أزواج النبي صلى الله عليه و آله وسلم حين توفي رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أردن أن يبعثن عثمان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهن فقالت عائشة: أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم " لا نورّث ما تركنا صدقة ".
وأخرج الترمذي بسند صحيح (1608) عن أبي هريرة قال: جاءت فاطمة إلى أبي بكر , فقالت من يرثك؟ قال: أهلي وولدي , قالت فما لي لا أرث أبي؟ فقال أبو بكر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول " لا نورث" و لكني أعول من كان رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يعوله , و أنفق على من كان رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ينفق عليه.
وقد وافق أبي على هذا الحديث جماعة , منهم عائشة و علي بن أبي طالب و العباس بن عبد المطلب و عبد الرحمن بن عوف و عثمان بن عفان و طلحة بن عبيد الله و الزبير بن العوام و سعد بن أبي وقاص و أبو هريرة , كما في الرواية الآتية.
توجيه اعتراض فاطمة عليها السلام على أبي بكر رضي الله عنه:
قال الحافظ بن كثير (ج5ص250) " و ليس يظن بفاطمة رضي الله عنها أنها علمت أنها اتهمت الصديق رضي الله عنه فيما أخبرها به , حاشاها و حاشاه من ذلك , كيف و قد وافقه على هذا الحديث عمر بن الخطاب و عثمان بن عفّان و علي بن أبي طالب و العباس بن عبد المطلب و عبد الرحمن بن عوف و طلحة بن عبيد الله و الزبير بن العوام و سعد بن أبي وقاص و أبو هريرة و عائشة رضي الله عنهم أجمعين. و لو تفرد بروايته الصديق رضي الله عنه لوجب على جميع أهل الأرض قبول روايته و الانقياد له في ذلك , و إن كان غضبها لأجل ما سألت الصديق إذ كانت هذه الأراضي صدقة لا ميراثا أن يكون زوجها ينظر فيها , فقد اعتذر بما حاصله أنه لما كان خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو يرى أن فرضا عليه أن يعمل بما كان يعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم , ويلي ما كان يليه رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم , ولهذا قال: و إني والله لا أدع أمرا كان يصنعه فيه رسول الله إلا صنعته , قال فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت. وهذا الهجران و الحالة هذه فتح على فرقة الرافضة شرا عريضا , وجهلا طويلا , و أدخله أنفسهم بسببه فيما لا يعنيهم و لو تفهموا الأمور على ما هي عليه و لعرفوا للصديق فضله , و قبلوا منه عذره الذي يجب على كل أحد قبوله , ولكنهم طائفة مخذولة , وفرقة مرذولة , يتمسكون بالمتشابه , ويتركون الأمور المحكمة المقدرة عن أئمة الإسلام , من الصحابة و التابعين فمن بعدهم من العلماء المعتبرين في سائر الأعصار و الأمصار رضي الله عنهم و أرضاهم أجمعين.
وقال (ص252): فعتبت عليه بسبب ذلك و هي امرأة من بنات آدم تأسف كما يأسفون و ليست بواجبة العصمة مع وجود نص رسول الله صلى الله عليه وسلم , ومخالفة أبي بكر الصديق وقد روينا عن أبي بكر رضي الله عنه: أنه ترضا فاطمة و تلايناها قبل موتها فرضيت رضي الله عنها.
قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن عبد الوهاب، ثنا عبدان بن عثمان العتكي بنيسابور، أنبأنا أبو حمزة عن إسماعيل ابن أبي خالد، عن الشعبي قال: لما مرضت فاطمة أتاها أبو بكر الصديق فاستأذن عليها فقال علي: يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك؟
فقالت: أتحب أن آذن له؟
قال: نعم!
فأذنت له فدخل عليها يترضّاها فقال: والله ما تركت الدار والمال، والأهل، والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله ومرضاة رسوله ومرضاتكم أهل البيت، ثم ترضّاها حتَّى رضيت.
وهذا إسناد جيد قوي، والظاهر أن عامر الشعبي سمعه من علي أو ممن سمعه من علي، وقد اعترف علماء أهل البيت بصحة ما حكم به أبو بكر في ذلك.
¥