تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى (1): (جمهور أهل السنة المثبتة للقدر (2) من جميع الطوائف يقولون: إن العبد فاعل لفعله حقيقة، وأن له قدرة حقيقية، واستطاعة حقيقية، وهم لا ينكرون تأثير الأسباب الطبيعية، بل يقرون بما دل عليه الشرع والعقل من أن الله يخلق السحاب بالرياح، وينزل الماء بالسحاب، وينبت النبات بالماء، ولا يقولون إن القوى والطبائع الموجودة في المخلوقات لا تأثير لها، بل يقرون أن لها تأثيراً لفظاً ومعنى، حتى جاء لفظ الأثر في مثل قوله تعالى (ونكتب ما قدموا وآثارهم) وإن كان التأثير هناك أعم منه في الآية، لكن يقولون: هذا التأثير هو تأثير الأسباب في مسبباتها، والله تعالى خالق السبب والمسبب، ومع أنه خالق السبب فلا بد له من سبب آخر يشاركه، ولا بد له من معارض يمانعه، فلا يتم أثره - مع خلق الله له - إلا بأن يخلق الله السبب ويزيل الموانع.

ولكن هذا القول الذي حكاه (3) هو قول بعض المثبتة للقدر كالأشعري ومن وافقه من الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي وأحمد، حيث لا يثبتون في المخلوقات قوى وطبائع، ويقولون: إن الله فعل عندها لا بها، ويقولون: إن قدرة العبد لا تأثير لها في الفعل) اهـ.

وقال رحمه الله تعالى (1): (ومذهب الفقهاء أن السبب له تأثير في مسببه، ليس علامة محضة، وإنما يقول إنه علامة محضة طائفة من أهل الكلام الذين بنوا على قول جهم - إلى أن قال-ومملوء - يعني القرآن- بأنه يخلق الأشياء بالأسباب، لا كما يقوله أتباع جهم: أنه يفعل عندها لا بها، كقوله تعالى (أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها)، وقوله (وأنزلنا من السماء ماء مباركاً فأنبتنا به جنات وحب الحصيد - والنخل باسقات لها طلع نضيد - رزقاً للعباد وأحيينا به بلدة ميتاً) وقوله (وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحاباً ثقالاً سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات) وقوله (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام) وقوله (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم) ونحو ذلك) اهـ.

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى (1): (وعندهم - يعني الجهمية الجبرية- أن الله لم يخلق شيئاً بسبب، ولا جعل في الأسباب قوى وطبائع تؤثر، فليس في النار قوة الإحراق، ولا في السم قوة الإهلاك، ولا في الماء والخبز قوة الري والتغذي به، ولا في العين قوة الإبصار، ولا في الأذن والأنف قوة السمع والشم، بل الله سبحانه يحدث هذه الآثار عند ملاقاة هذه الأجسام، لا بها، فليس الشبع بالأكل، ولا الري بالشرب، ولا العلم بالاستدلال، ولا الانكسار بالكسر، ولا الإزهاق بالذبح - إلى أن قال- بل عندهم صدور الكائنات والأوامر والنواهي عن محض المشيئة الواحدة التي رجحت مثلاً على مثل بغير مرجح، فعنها يصدر كل حادث، ويصدر مع الحادث حادث آخر مقترناً به اقتراناً عادياً لا أن أحدهما سبب الآخر ولا مرتبط به -إلى أن قال- وطرد هذا المذهب مفسد للدنيا والدين، بل ولسائر أديان الرسل، ولهذا لما طرده قوم أسقطوا الأسباب الدنيوية وعطلوها وجعلوا وجودها كعدمها (2)، ولم يمكنهم ذلك فإنهم لا بد أن يأكلوا ويشربوا ويباشروا من الأسباب ما يدفع عنهم الحر والبرد والألم، فإن قيل لهم: هلا أسقطتم ذلك؟ قالوا: لأجل الاقتران العادي، فإن قيل لهم هلا قمتم بما أسقطتموه لأجل الاقتران العادي أيضاً، فهذا المذهب قد فطر الله سبحانه الحيوان ناطقه وأعجمه على خلافه، وقوم طردوه فتركوا له الأسباب الأخروية) (3) اهـ.

المسألة الثانية

"اعتقاد تأثير الأسباب"

ذهب الشاطبي إلى أن اعتقاد تأثير السبب في المسبب شرك، وهذا امتداد للمسألة السابقة، فإن الجبرية يعتقدون أنه لا فاعل إلا الله، لذلك فمن نسب التأثير إلى غيره فقد أشرك،وإليك نصوصه في ذلك:

1 - قال في (الموافقات) 1/ 321: (أن يدخل فيها - يعني في الأسباب- على أنه فاعل للمسبب أو مولد له، فهذا شرك مضاهٍ له والعياذ بالله، والسبب غير فاعل بنفسه، والله خالق كل شئ، (والله خلقكم وما تعملون)، وفي الحديث (اصبح من عبادي مؤمن بي وكافر) الحديث، فإن المؤمن بالكوكب الكافر بالله هو الذي جعل الكوكب فاعلاً بنفسه، وهذه المسألة قد تولى النظر فيها أرباب الكلام).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير