2 - وقال في (الموافقات) 1/ 323: (فإذا كانت الأسباب مع المسببات داخلة تحت قدرة الله، فالله هو المسبب لا هي إذ ليس له شريك في ملكه، وهذا كله مبين في علم الكلام، وحاصله يرجع إلى عدم اعتبار السبب في المسبب من جهة نفسه، واعتباره فيه من جهة أن الله مسببه وهو صحيح) (1).
3 - وقال في (الموافقات) 1/ 328: (اعتقاد المعتقد لكون السبب هو الفاعل معصية).
قلت: والكلام على هذا من وجهين:
الوجه الأول: أن هذا القول هو قول الأشاعرة -كما سبق-، وهو خلاف ما عليه أهل السنة، فإنهم يثبتون تأثير الأسباب في المسببات، والله هو خالق السبب والمسبب، وليس في جعل السبب مؤثراً في المسبب شرك لأن الله سبحانه هو الذي جعله كذلك.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى (2): (والتأثير اسم مشترك، قد يراد بالتأثير الانفراد بالابتداع والتوحيد بالاختراع، فإن أريد بتأثير قدرة العبد هذه القدرة فحاشا لله لم يقله سني، وإنما هو المعزو إلى أهل الضلال.
وإن أريد بالتأثير نوع معاونة إما في صفة من صفات الفعل، أو في وجهٍ من وجوهه كما قاله كثير من متكلمي أهل الإثبات، فهو أيضاً باطل بما به بطل التأثير في ذات الفعل إذ لا فرق بين إضافة الانفراد بالتأثير إلى غير الله سبحانه في ذرة أو فيل، وهل هو إلا شرك دون شرك وإن كان قائل هذه المقالة ما نحا إلا نحو الحق.
وإن أريد بالتأثير أن خروج الفعل من العدم إلى الوجود كان بتوسط القدرة المحدثة، بمعنى أن القدرة المخلوقة هي سبب وواسطة في خلق الله سبحانه وتعالى الفعل بهذه القدرة، كما خلق النبات بالماء، وكما خلق الغيث بالسحاب، وكما خلق جميع المسببات والمخلوقات بوسائط وأسباب فهذا حق، وهذا شأن جميع الأسباب والمسببات، وليس إضافة التأثير بهذا التفسير إلى قدرة العبد شركاً، وقد قال الحكيم الخبير (فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات) (أنبتنا به حدائق ذات بهجة) وقال تعالى (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم) فبين أنه المعذب، وأن أيدينا أسباب وآلات و أوساط وأدوات في وصول العذاب إليهم) (1).
وقال أيضاً (2): (والحوادث تضاف إلى خالقها باعتبار، وإلى أسبابها باعتبار، فهي من الله مخلوقة له في غيره، كما أن جميع حركات المخلوقات وصفاتها منه، وهي من العبد صفة قائمة به، كما أن الحركة من المتحرك المتصف بها وإن كان جماداً، فكيف إذا كان حيواناً؟ وحينئذٍ فلا شركة بين الرب وبين العبد لاختلاف جهة الإضافة، كما أنا إذا قلنا: هذا الولد من هذه المرأة بمعنى أنها ولدته، ومن الله بمعنى أنه خلقه، لم يكن بينهما تناقض.وإذا قلنا: هذه الثمرة من هذه الشجرة وهذا الزرع من هذا الأرض بمعنى أنه حدث فيها، ومن الله بمعنى أنه خلقه منها، لم يكن بينهما تناقض).
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى (1): (ويا لله العجب!! إذا كان الله خالق السبب والمسبب، وهو الذي جعل هذا سبباً لهذا، والأسباب والمسببات طوع مشيئته وقدرته، منقادة لحكمته، إن شاء أن يبطل سببية الشئ أبطلها، كما أبطل إحراق النار على خليله إبراهيم، وإغراق الماء على كليمه وقومه، وإن شاء أقام لتلك الأسباب موانع تمنع تأثيرها مع بقاء قواها، وإن شاء خلى بينها وبين اقتضائه لآثارها، فهو سبحانه يفعل هذا وهذا وهذا، فأي قدحٍ يوجب ذلك في التوحيد؟ وأي شركٍ يترتب على ذلك بوجهٍ من الوجوه؟.
ولكن ضعفاء العقول إذا سمعوا أن النار لا تحرق، والماء لا يغرق، والخبز لا يشبع، والسيف لا يقطع، ولا تأثير لشئ من البتة، ولا هو سبب لهذا الأثر، وليس فيه قوة، وإنما الخالق المختار يشاء حصول كل أثر من هذه الآثار عند ملاقاة كذا لكذا، قالت: هذا التوحيد وإفراد الرب بالخلق والتأثير، ولم يدر هذا القائل أن هذا إساءة ظن بالتوحيد، وتسليط لأعداء الرسل على ما جاءوا به كما تراه عياناً في كتبهم، ينفرون الناس عن الإيمان) اهـ.
¥