تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

العلويون واغتيال ابن باديس

خلفيات الجريمة

بقلم عبد الحق عباس

كان الجزائريون بعد قرابة القرن من الاحتلال لا يرون الإسلام إلا الطُرقية، وقد زاد ضلالهم ما كانوا يرون من الجامدين والمغرورين من المنتسبين للعلم من التمسك بها والتأييد لشيوخها (1). وآل وضع الأمة إلى تخلف حضاري عام وشامل، لم يسلم من ذلك عالم أفكار الأمة ودينها ومعتقدتها، وأصبح الجانب التعبدي في أشكاله ومظاهره دون جوهره ومضامينه، وأخذ تَدين المجتمع عامة طابع الوراثة والتقليد والجمود لا أكثر، وتكلفت الزوايا والكتاتيب والمساجد في صورتها الموروثة بتقديم صورة معينة للإسلام، وفق وضع شيخ الطريقة المعينة.

ولما كان الإمام بن باديس يربط دائمًا بين الدين والأخلاق والعقل، ويرى أن قدرة المسلمين إنما تكون بالجمع بين العقائد الواضحة والأخلاق الطيبة والعلم، فإنه لم يتحرج من أن يقاوم الطُرق الصوفية في الجزائر، فكانت الحملات في دُروس التفسير والخُطب وفي مقالات الصحافة الإصلاحية بالأخص في الشهاب متوالية على الخرافات والأباطيل، وعلى المبتدعة والمضللين، وأيده في حملته فحول العلماء والمفكرين في الجزائر وتونس والمغرب وكان من أشدها عنفا على الطريقة العلوية وشيخها المتهم بالحلول ووحدة الوجود "أحمد بن عليوة" شيخ الطريقة العلوية في مستغانم، لسوء أدبه مع النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى بعض شطحاته الحلولية المنافية للعقيدة الإسلامية.

أحمد بن عليوة وطريقته:

لقد انتشرت الطرق الصوفية، وتعددت وتنوعت، وصارت تتحكم بزمام أوضاع الأمة، فلم يكن أحد أيًا كان يتجرأ على مواجهة شيوخ الطرق ومريديهم، ورَفض قبول كلامهم والانصياع لمطالبهم، والإذعان لأحكامهم وأوامرهم، فتفطن الاستعمار لما للطرقية من قوة ونفوذ، وعمل على احتوائها واستيعابها لاستخدامها وسيلة لبسط نفوذه وإحكام سيطرته، بتنصيبه من يضطلع لتشويه الدين عن طريق ضعاف النفوس من أمثال "أحمد بن عليوة" الذي تحدث عنه وعن طريقته الشيخ المجاهد "أحمد توفيق المدني" بما يلي:»

قال لي الأخ محمد رضا الأكحل – وكنا في أواخر شهر تموز/يوليو (جويلية) 1925 م -: لنا اليوم سهرة حافلة بمقبرة سيدي محمد بن عبد الرحمن، فلنستعد لها مبكرين حتى نكون في الصفوف الأولى. لم أفهم إطلاقًا. سيدي محمد .. مقبرة كبيرة وشهيرة بعاصمة الجزائر تعادل في أهميتها وفي قيمتها وفي علو كعب من دفن بها مقبرة الزلاج التونسية، وهي ذات أقسام ثلاث: المسجد والضريح، وساحة الضريح الفسيحة، وقبورها مسواة مع الأرض، ثم القسم الخلفي وقبوره عالية بارزة، فكيف تكون حفلة ساهرة فوق الأجداث؟ قال لي مؤكدًا أنها حفلة سنوية يقوم بها رجال الطريقة الرحمانية الذين يأتون في ركب عظيم من مدينة قسنطينة لزيارة شيخهم صاحب الطريقة. تقززت أولاً، هذه من أعظم البدع .. ويجب أن أرى ذلك رأي العين ...

وجاء الليل وذهبنا جماعة إلى المقبرة، فإذا بالساحة الفسيحة الموجودة أمام الضريح وقد أصبحت أشبه شيء ببهو فخم لقصر ثري، وقد فرشت أرضها بالبسط الثمينة، والزرابي المبثوثة، والمنابذ الصوفية الفارهة. وجلسنا، واستمر توارد القوم من حي "بلكور" ومن العاصمة وما يحيط بها، حتى لم يبق من مكان تطأه رجل إنسان.

وبعد صلاة العشاء، التأمت حلقة الذكر، وأخذ "الفقراء" يترنمون بأصوات هي البشاعة أقرب منها إلى الرخامة. وطال ذلك نحو ساعة. فبعض تلك الأناشيد والأذكار كان مستقيم المعنى صحيح المبنى، فيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه الموعظة والذكرى، أما بعضها الآخر ففيه إشارات واضحة إلى مذهب "وحدة الوجود" يترنم بها القوم ولا يفهمون لها معنى، وخرجت من هناك آسفا حزينًا وأنا أتساءل: كيف تمكن أحمد بن عليوة المستغانمي من إنشاء طريقة صوفية وهو شبه أمّي؟ ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير