النّظرية التآمريّة ( Deception Theory ): وتنصّ أنّ المسيح مات على الصّليب ولم يقم من الموت, لكنّ أصحابه تآمروا على إخفاء الحقيقة ونشروا خبر حياته انتقامًا للكبت النّفسي والاضطهاد والحزن الذي حصل لهم من موته, فعمدوا إلى نشر خبر حياته بعد ثلاثة أيّام ليلاقوا بهذا الخبر نوعًا من العزاء لهم على فقدانه, وتفرّع منها أيضًا ما يسمّى بنظريّة الجسد المسروق, وهو أنّ أصحابه سرقوا جسده بعد دفنه, ثمّ ادّعوا أنّه قام من الأموات مستندين إلى الأعداد 13 إلى 15 من الإصحاح الأخير من إنجيل متّى.
نظريّة الإغماء ( Swoon Theory ) : وتنصّ أنّ المسيح لم يمت على الصّليب أصلاً, وهذا المتعارف عند هذه النّظريّة هو جزء من نظريّة أعمق تشرح هذه النّظريّة وتسمّى الدوسيتية ( Docetism Theory ) , وتنصّ على أنّ المسيح لم تكن له طبيعة جسدية, ولذلك فإرهاصات الموت والقتل لم تبلغ مبلغها في "الحقيقة الظّاهرة الغير جسدية" التي كانت تظهر لمشاهديه إلاّ بمقدار الكشف الباطني
والذي تمثّل في الإغماء, ولعلّي أشرح هذه النّظريّة بمزيد من التّفصيل في ثنايا هذا البحث.
وما يهمّنا هنا نظريّة الإغماء, والتي بدورها تحتوي العديد من الآراء والفلسفات في تبرير المحور الأساسي في نجاة المسيح من الموت على الصّليب, ويصرّ القائلون بنظرية الإغماء أنّ لهم كامل الأدلّة من الكتاب المقدّس لإثبات صحّة نظريّاتهم.وأوّل هذه الآراء تقول أنّ أحد أطبّاء الجماعة السّرّيّة "الآسينيّين" أعطى المسيح دواء مخدّرًا جعله يظهر بمظهر المغمى عليه علىالصّليب, ولمّا طلب يوسف الذي من الرّامة جسده من بيلاطس أعطى له دواء آخر فاستفاق من غيبوبته. رأي آخر يقول أنّ الدّواء أعطي له وهو على الصّليب, ودليلهم من إنجيل متى 27:49"وللوقت ركض واحد منهم وأخذ اسفنجة وملأها خلاًَ وجعلها على قصبة وسقاه", ويتكرّر النّصّ الآخر في إنجيل مرقص15:36:" فركض واحد وملأ اسفنجة خلاًّ وجعلها على قصبة وسقاه"اهـ إذ ما معنى أن يعطى مصلوبًا ينتظر أن يموت خلاًّ في اسفنجة, فلا هي ترويه من ظمأ ولا هي تنجيه من موت. وقيل أيضًا أنّ المسيح استفاق من إغمائه بمساعدة أحد الذين مرّوا عليه وهو في القبر وهي مريم المجدليّة, وقال البعض أنّ يوسف الذي من الرّامة ومريم المجدلية ومريم الأخرى كانوا على علم بأنّه لم يمت ولهذا جهّزوا العطر والأثواب البيضاء وتبعوه إلى حيث القبر, والمسيح نفسه أقرّ بذلك حينما وجدها في المقبرة وأخبرها كيف تبحثين عن حيّ بين الأموات؟ ويتساءل الكثيرون من المناصرين لهذه الرّأي عن سبب اهتمام يوسف الذي من الرّامة بجسد المسيح وهو ميّت, ولماذا طلبه من بيلاطس إلاّ أن يكون ذلك خطّة مدروسة من أجل أن ينجيه من هذه المؤامرة السّياسيّة (راجع كتاب الدّم الأقدس, الكأس الأقدس).
دليل آخر يطرحه أنصار هذه النّظريّة وهو أنّه كيف لما أتى يوسف الذي من الرّامة لطلب جسد المسيح من بيلاطس, تعجّب بيلاطس كيف مات المسيح بهذه السّرعة وهو المشرف على الصّلب, كما جاء في مرقص:"وجاء إلى بيلاطس (أي يوسف) وطلب جسد يسوع, فتعجّب بيلاطس أنّه مات هكذا سريعًا فدعا قائد المائة وسأله هل له زمان قد مات؟ ". وكذلك من أدلّتهم ما جاء في إنجيل يوحنّا 19:21 حينما أدرك اليهود غروب الشّمس وأرادوا التّخلّص من موت الأجساد المصلوبة قبل الغروب لحلول يوم السّبت وقد نهوا عن ذلك, (لأنّ الصّلب المزعوم كان يوم الجمعة) , فعمدوا إلى تكسير سيقان المصلوبَين لتسريع موتهما, ولمّا وصلوا لتكسير سيقان المسيح لم يكسروهما لأنّه وجدوه قد مات! , وتساءلوا كيف أدرك اليهود أنّ المسيح قد مات وبالتّالي لم تكسر سيقانه؟
وهكذا ترى أنّ الأدلّة التي يتّكأ عليها أصحاب هذه النّظريّة من الكتاب المقدّس لها وجاهتها على اعتبار صحّة الكتاب المقدّس, ولا مجال للمعترضين من جمهور النّصارى أن ينكروا مثل هذه النّصوص الصّريحة في ذلك. والحقيقة أنّ مثل هذا الزّعم من عقلاء النّصارى وعلمائهم يحرج كثيرًا من رهبان الكنائس وقساوستهم, سرعان ما يكتفي أولئك القساوسة وأرباب الكنائس بإصدار فتاوى بكفر وهرطقة القائلين بهذه النّظريّة مفضّلين عدم الخوض في الرّدّ على تلك الشّكوك لعلمهم أنّهم يخوضون معركة قد يكونون الطّرف الخاسر فيها.
¥