تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولقد حاولتُ مرّات أن أبحث عن ردود علميّة من الكنائس وجمهور النّصارى تجاه مثل هذه الاتّهامات, فلم أجد شيئًا ذال بال مقارنة مع ردودهم على أفكار ونظريّات أخرى, وهذا ما جعل مثل هذه النّظريّة الآن تروج رواجًا كبيرًا. والسّبب في رأيي يرجع إلى شيئ مهمّ اصطلحتُ مبدئيًّا على تسميته ب"نظريّة بقاء الأفكار وتطوّرها في الفكر النّصراني" Process of the Idea Surviving and Development in Christian Dogma, وأقرّر فيه أنّ الكفر المسيحي الثيولوجي حينما يريد دحض نظريّة من النّظريّات التي يراها دخيلة على فكره, لا يسعه أن ينكرها إلاّ بحدود ماهو مسلّم عنده في الكتاب المقدّس, فدحضه لها يكون أساسًا على التفنيد الحرفي من النّصوص المسلّمة لديهم, هذا التّفنيد إذا ابتدأ في الفكر المسيحي على مرّ الزّمن فإنّه يساعد على زوال الفكرة وتحجيمها بقدر قوّة هذا التّفنيد ونشاط أصحابه, وبالعكس من ذلك إذا كانت أسس الفكرة منطلقة من القوّة التي تعتمد عليها الكنيسة في التّفنيد والتي هي الكتاب المقدّس, فإنّ الكنيسة تعجز عن دحض الفكرة وتفنيدها ومحاربتها ممّا يكسب الفكرة بقاء وتطوّرًا على مدى التّاريخ وتتشبّع بالمزيد من الرّكائز لا على أساس صحّتها, وإنّما على أساس مخالفتها للكنيسة, بغضّ النّظر طبعًا على صحّتها من بطلانها.

ونظريّة الإغماء من هذا النّوع من الأفكار التي لم تلق مصارعة بيّنة من الكنيسة لاكتسابها قوّة من الكتاب المقدّس نفسه, فجرّ الأمر بعد هذا ليس إلى مناقشة الفكرة نفسها وإنّما مناقشة نصوص الكتاب المقدّس وإعادة قرائته قراءة علمية تاريخية استقصائية.

ورغم أنّ القائلين بنظريّة الإغماء اتّفقوا على أنّ المسيح لم يمت على الصّليب, إلاّ أنّهم اختلفوا في مجريات الأحداث بعد إنزال الجسد المزعوم من الصّليب إلى روايات وأقوال عديدة, وقد أحصيتُ على الأقلّ خمسة عشر قولاً, وفي كلّ مرّة أزداد يقينًا بقول اللّه تعالى:"مالهم به من علم إلاّ اتّباع الظّنّ ". وقد أخذتُ من بين هذه الأقوال أشهر قولين للحديث عنهما, الأوّل وهو قول أصحاب كتاب الكأس الأقدس الدّم الأقدس, أو ما يعرف بحركة الصّحوة العقليّة للمسيحية, والثّاني وهو قول القاديانية.

-نظرية الإغماء عند أصحاب الصّحوة العقلية المسيحية: منذ أن أصدر الباحثون المسيحيون ميشال بريجنت وريشارد ليذ سنة 1982, بدأت بوادر هذه الحركة التّشكيكية في الظّهور مرّة أخرى, وبرزت معها نظريّة الإغماء بالشّكل الذي كان يروّج له فريدريك باهدرت في القرن الثّامن عشر, وتبعه بعد ذلك علماء مسيحيون آخرون كفنتوريني وهنريك بولوس, ولقد صدق ما كنت توقّعتُه منذ سنتين حينما فرغتُ من قراءة الكتب الثّلاثة لميشال بريجنت وريشارد ليث ولينكون خاصّة كتاب الكأس الأقدس الدّم الأقدس, فقد كنتُ توقّعتُ أن تنتشر هذه الفكرة وترتكز دعائمها, وها قد ألّفت في هذا الرّواية المعروفة شفرة دافنشي التي أشارت ضجّة كبرى, كما كتبت في هذه الفكرة عشرات الكتب التي تدعّم أفكار هذا الكتاب ومن بينها نظريّة الإغماء, وآخر الأخبار كما علمت من يومين فقط أنّ مؤلّف كتاب الكأس الأقدس الدّم الأقدس قد أصدر هذا الشّهر آخر كتب له واسمه:"أوراق عيسى"ولم أطّلع عليه بعد. أمّا تفاصيل ما تروّجه هذه الكتب من أنّ المسيح لم يمت على الصّليب وأنّه تزوّج مريم المجدلية وولدت له بنتًا وسلالته لا تزال إلى حدّ الآن في جنوب فرنسا إلى غير ذلك من النّظريّات التي تعتبر هرطقة في العقيدة المسيحيّة.

نظريّة الإغماء عند الميرزا غلام أحمد

أخذ ميرزا غلام أحمد نظريّة الإغماء, لكنّه أضاف ادّعاء جديدًا لم يكن عند أولئك الذي قالوا بالنّظريّة أوّل مرّة, فقد زعم أنّ المسيح لم يمت على الصّليب بل أغمي عليه ودفن ثمّ هرب إلى الهند وهناك عاش إلى أن مات موتةً طبيعيّة ودفن في كشمير وقبره معروف في سرنجار, وقد قرّر الميرزا هذا في كتابه:"المسيح في الهند", ويستدلّ بهذا بتفسيره الإيواء في قوله تعالى: "وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين". وسأعود إلى هذه النّقطة حينما أتكلّم على نظريّة الإغماء من رؤية شرعيّة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير