"وكذلك الحديث الذي رواه أهل العلم أنه قال: (رأيت ربي في صورة كذا وكذا)، يروي من طريق ابن عباس، ومن طريق أم الطفيل، وغيرهما. وفيه أنه (وضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله على صدري).
هذا الحديث لم يكن ليلة المعراج، فإن هذا الحديث كان بالمدينة. وفي الحديث أن النبي نام عن صلاة الصبح، ثم خرج إليهم، وقال: (رأيت كذا وكذا). وهو من رواية من لم يصل خلفه إلا بالمدينة كأم الطفيل وغيرها، والمعراج إنما كان من مكة باتفاق أهل العلم وبنص القرآن والسنة المتواترة، كما قال الله ـ تعالى ـ: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى)، فعلم أن هذا الحديث كان رؤيا منام بالمدينة، كما جاء مفسرا في كثير من طرقه أنه كان رؤيا منامٍ". مجموع الفتاوى (3/ 387)
===
وقال:
"أما رؤية النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ربه بعين رأسه في الدنيا، فهذا لم يثبت عن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ و لا عن أحدٍ من الصحابة، و لا عن أحدٍ من الأئمة المشهورين، لا أحمد بن حنبل، و لا غيره". جامع المسائل ـ المجموعة الأولى (ص106).
و قال: "من قال: إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رآه بعينه في الدنيا، فهو ـ أيضاً ـ غالطٌ، قائلٌ قولاً لم يقله أحدٌ من الصحابة، و لا الأئمة. و المنقول في رؤية العين في الدنيا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كله كذبٌ موضوع باتفاق أهل العلم. و كذلك عن أحمد، فإنه لم يقل قط: إنه رآه بعينه".جامع المسائل (ص107)
===
و قال:
"اتفق المسلمون على أن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ لم ير ربه بعينيه في الأرض". مجموع الفتاوى (3/ 387).
و قال:
"صنف القاضي أبو يعلى كتابه (إبطال التأويل) رداً لكتاب ابن فورك. و هو و إن كان أسند الأحاديث التي ذكرها، , ذكر من رواها، ففيها عدة أحاديث موضوعه كحديث الرؤية عياناً ليلة المعراج و نحوه". درء التعارض (5/ 237).
-=-=-=-=-=-=-=-
أما النص الذي نقله أخونا الطنجي عن بعض أهل الأهواء، فهو نص صحيح لكنه مقطوع عن سياقه.
فابن تيمية ـ رحمه الله ـ لما صنف كتابه (نقض التأسيس) رداً على كتاب الرازي (أساس التقديس)، تعرض لهذه المسألة، و اعترض على كلام الرازي فيها. و كان الرازي في (ص119) قد ذكر حديث ابن عباس بلفظ غير صحيح، و ذكر أوجهاً كثيرة في تأويله. و كان من جملة ما ذكره أن القصة يحتمل أن تكون رؤيا منامٍ. فعلق على ذلك ابن تيمية قائلاً:
"ليس فيما تقدم ما يقرب من الحق إلا قولك يحتمل أن يكون عائداً إلى المرئي، و يكون رؤيا منامٍ، لأن الحق أنه كان رؤيا منامٍ، فهذا الاحتمال قريبٌ إلى الحق. لكن هو جوَّز ذلك و لم يجزم به. و تسمية هذا تأويلاً غلط، لأنه تفسيرٌ مبين في الحديث، و إن كان قد لا يروى في حديث ابن عباسٍ الذي ذكره فهو مفسرٌ في ألفاظ جمهور الرواة للحديث".
ثم أطال ابن تيمية في عرض طرق حديث ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ حيث استوفى الكلام عنه، و قارن ألفاظه بألفاظ الأحاديث الأخرى الواردة عن معاذٍ و أم الطفيل و ثوبان، ليثبت أن القصة واحدة، و أن حديث ابن عباس كان ـ أيضاً ـ حال النوم، و لم يكن يقظة. و مما قاله هناك:
"هذه الأحاديث كلها ترجع لهذه الأحاديث الأربعة: (حديث أم الطفيل)، و (حديث ابن عائش عن معاذ)، و (حديث ثوبان)، و (حديث ابن عباسٍ). و قد ذكر الإمام أحمد أن أصلها حديث واحدٌ ... و كلها فيها ما يبين أن ذلك كان في المنام، و أنه كان بالمدينة، إلا حديث عكرمة عن ابن عباسٍ. و قد جعل أحمد أصلهما واحداً. و كذلك ذكر العلماء".
و نقل عن أحمد أنه سئل عن حديث أم الطفيل، فأذن بالتحديث به، ثم قال: "هذا الحديث الذي أمر أحمد بتحديثه، قد صرح فيه بأنه رأى ذلك في المنام. و هذه الألفاظ نظير الألفاظ التي في حديث ابن عباس".
والموضع الذي سأل عنه أخونا الطنجي مقتطع من كلام للشيخ ـ رحمه الله ـ في سياق أدلة من يرى أن ما وقع في حديث ابن عباسٍ كان رؤيا عين.
وعلى فرض أن النص من كلام الشيخ وليس من نقله عن غيره، فهو مخالف لما استفاض في كتب الشيخ، مع ملاحظة أن:
¥