[تتمة على ما فاتني]
ـ[شاكر توفيق العاروري]ــــــــ[06 - 03 - 08, 02:54 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الامين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد.
لقد سبق أن طرح أحد الاخوة الأفاضل سؤالا نصه (حديث «كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس» كيف نأخذ من قوله صلى الله عليه وسلم صفة لله تعالى؟ وهل الثوب الأبيض في الحديث جنس الثياب أو أنه ثوب خاص؟).
فأجبت فيما بدا لي أنه منهج أهل السنة أصحاب الحديث، وما اعتقد صوابه في مثل هذا الموطن وما شاكله من النصوص.
وكنت أتوقع جوابا علميا منهجيا في صلب الموضوع، بيد أني لما نظرت الساعة _ أعني في هذا الوقت، إذ فاتني قراءته من قبل، بل لم اكن اعلم وجود هذا التعقب أصلا _ إلى بعض من أجاب على ما كتبت تعجبت واستغربت، وكانت على النحو التالي.
الاول: ما كتبه الأخ الفاضل عبد الباسط الغريب: والذي قام مشكورا بتفصيل مختصر بين فيه تعلق الصفات الإلهية بالذات العلية ولخص القول في آخر ما كتب فقال: (والصفات الفعليَّة من حيث قيامها بالذات تسمى صفات ذات، ومن حيث تعلقها بما ينشأ عنها من الأقوال والأفعال تسمى صفات أفعال، ومن أمثلة ذلك صفة الكلام؛ فكلام الله عَزَّ وجَلَّ باعتبار أصله ونوعه صفة ذات، وباعتبار آحاد الكلام وأفراده صفة فعل.).
وهو بهذا الجهد المشكور لم يبين لنا على وجه الخصوص موضع جواز الاشتقاق، وطريقة تطبيقه على السؤال المطروح، بل ابقى الأمر معلقا لذكاء القاريء وقدرته على الاستنتاج والقياس.
وليس غرضي التباحث فيما كتب، بل المراد التنبيه على أن الغرض لم يتحقق فيما بدا لي مما كتب جوابا على السؤال تفصيلا واستدلالا بقول من سبق من أهل العلم في هذا الموضع على وجه الخصوص.
الثاني: الاخ راشد السمعاني: والذي تفضل مشكورا بتخليتي _ من باب رفع الريبة والتهمة عني _ من الأشعرية فقال: (لا يا أخي الحبيب! هذا الكلام الذي تكلمت به هو من جنس كلام الأشعرية (لا أتهمك بالأشعرية، لكن الكلامين توافقا)، فتكلم بعلم أو دع.).
وأقول له: جزاك الله خيرا أولا على حسن ظنك بي،
ثانيا: نصيحتك لي أن لا اتكلم بغير علم.
لكن يا أخي الحبيب ألا ترى أن ما كتبت في الموضعين فيه نظر.
أما قولك الأول أن هذا يشبه كلام الأشاعرة، فعجيب غريب، لأن المستقريء لكلام السلف في الاسماء والصفات المطلع عليه، لا يلقي مثل هذه الكلمة جزافا، بل يتمهل ويقيس القول بالقول والمثل بالمثل، ول نظرت حفظك الله إلى بعض أمثلة أسوقها لك تنظرها كان من سبق من اهل العلم والفضل تكلموا فيها بل وفي أغلبها إجماع عندهم على تأويلها، لأن تأويلها الصحيح هو ما تضمنه لفظها من معناها، ومن ذلك قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (7) سورة المجادلة.
وفيما روى مسلم في صحيحه من حديث أبي أمامة الباهلي سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول: اقرأوا القرآن ... اقرأوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان ... .
ومن باب التذكير انظر ما قاله الامام احمد ونقله شيخ الاسلام في الفتاوى (5\ 38).
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا في الحديث القدسي ( ... ومن أتاني يمشي أتيته هرولة) رواه البخاري.
ومن باب التذكير: اما قال الإمام ابن قتيبة السلفي في تأويل مختلف الحديث: (قال أبو محمد: ونحن نقول إن هذا تمثيل وتشبيه وإنما أراد من أتاني مسرعاً بالطاعة أتيته بالثواب أسرع من إتيانه فكنى عن ذلك بالمشي وبالهرولة كما يقال فلان موضع في الضلال والإيضاع سير سريع لا يراد به أنه يسير ذلك السير وإنما يراد أنه يسرع إلى الضلال فكنى بالوضع عن الإسراع. وكذلك قوله: " والذين سعوا في آياتنا معاجزين " والسعي الإسراع في المشي وليس يراد أنهم مشوا دائماً وإنما يراد أنهم أسرعوا بنياتهم وأعمالهم والله أعلم).
وغيرها من النصوص، لو تتبعه المرء لجمع شيئا كثيرا، ولا بد من التنبيه هنا أنه لا يخفى علي ولا على مثلكم مذهب شيخي الإمامين ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله.
أما الثانية: فهي نصيحة غالية اقبلها وهي لكم كما هي لي، وفقني الله وإياك لطاعته.
وأخيرا لي سؤال انتظر منكم جوابه وهو في قول الله تبارك وتعالى: ({أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} (64) سورة الواقعة.
هل يجوز القول عن الله _ على باب الاشتقاق للصفات الفعلية _ أنه مزارع؟.
واعلموا حفظكم الله أني طالب حق، لا متبع هوى، والحجة الشرعية فوق كل قول.