[تصحيح العقائد السلفية ... نسبة الجلباب إلى رب الأرباب ... (3) مناقشة الإمام ابن القيم]
ـ[عيد فهمي]ــــــــ[07 - 04 - 08, 09:16 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آل بيته الطيبين، وأصحابه الغر الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد
فقد قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتاب الفوائد (1/ 69)
((القرآن كلام الله وقد تجلى الله فيه لعباده وصفاته فتارة يتجلى في جلباب الهيبة والعظمة والجلال فتخضع الأعناق وتنكسر النفوس وتخشع الاصوات ويذوب الكبر كما يذوب الملح في الماء وتارة يتجلى في صفات الجمال والكمال وهو كمال الاسماء وجمال الصفات وجمال الافعال الدال على كمال الذات فيستنفد حبه من قلب العبد قوة الحب كلها بحب ما عرفه من صفات جماله ونعوت كماله فيصبح فؤاد عبده فارغا إلا من محبته))
قلت:
ونسبة الجلباب إلى رب الأرباب لم ترد في الكتاب أو السنة الصحيحة ولا قال بها أحد من السلف.
بل والذي يظهر من معنى الجلباب أنه لا ينبغي نسبته لله سبحانه وتعالى:
فقد قال الخليل في كتاب العين: (والجلباب: ثوب أوسع من الخمار دون الرداء تغطي به المرأة رأسها وصدرها)
وقال النضر: الجلباب: ثوب أقصر من الخمار وأعرض منه وهو المقنعة
وقال الجوهري في الصحاح في اللغة: (الجلباب: الملحفة)
وقالت العامرية: (الجلباب الخمار)
ولذلك فقد ذكر ابن سيده في كتابه المخصص (الجلباب) في كتاب النساء، باب لباس النساء وثيابهن، كأنه يشير إلى أنه مما يخص النساء دون غيرهن.
وهذا المعنى هو الذي ورد في القرآن والسنة الصحيحة ولسان العرب وأشعارهم وكلام أهل العلم والفقه، فلا يأتي الجلباب غالبا إلا منسوبا للنساء
أما القرآن:
فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}
وأما السنة الصحيحة:
فعن أم عطية رضي الله عنها قالت: أُمرنا أن نخرج الحيض يوم العيدين وذوات الخدور فيشهدن جماعة المسلمين ودعوتهم ويعتزل الحيض عن مصلاهن.
قالت امرأة: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إحدانا ليس لها جلباب؟
قال: لتلبسها صاحبتها من جلبابها.
وقالت عائشة رضي الله عنها في حديث الإفك: فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي.
وقالت أيضا: كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه
وقالت في حديث امرأة رفاعة القرظي: وأخذت هدبة من جلبابها.
وأما لسان العرب وأشعارهم:
فقالت جنوب أخت عمرو ذي الكلب ترثيه:
تمشي النسور إليه وهي لاهية ... مشي العذارى عليهن الجلابيب
وأنشد الفراء
لا يقنع الجارية الخضاب ... ولا الوشاحان ولا الجلباب
وأما كلام أهل العلم والفقه:
فهذا أشهر من أن يمثّل له، وقد جاء في معجم لغة الفقهاء (1/ 165): (الجلباب: بسكر الجيم وسكون اللام، ج جلابيب، ثوب واسع تلبسه المرأة فوق ثيابها)
قلت:
لكن قد ورد عن بعض اللغويين معان أُخَر للجلباب يفهم منها جواز إطلاقه على الثياب عموما:
قال ابن الأعرابي: (الجلباب الإزار) لكن قال الأزهري: (لم يرد به إزار الحقو، ولكنه أراد إزارا يشتمل به فيجلل جميع الجسد.)
وقال ابن فارس: (الجلباب القميص)
وذكروا لذلك شواهد منها في وصف الشيب:
حتى اكتسى الرأس قناعا أشهبا ... أكره جلباب لمن تجلببا
وقال آخر:
........................ ... مجلبب من سواد الليل جلبابا
وثالث:
....................... ... والعيش داج كنفا جلبابه
وأنشد اللحياني
يا ليت شعري عنك يا غلاب ... تحمل معها أحسن الأركاب
أصفر قد خلق بالملاب ... كجبهة التركي في الجلباب
لكن المشهور نسبته للنساء كما مرّ، ولذلك قال الخفاجي في العناية: الجلباب في الأصل الملحفة ثم استعير لغيرها من الثياب.
وأيًّا ما كان الأمر فقول الإمام ابن القيم: (فتارة يتجلى في جلباب الهيبة والعظمة) فيه من الإلباس ما فيه؛ فضلا عن عدم وروده كما ذكرتُ لا في القرآن ولا في السنة ولا على لسان أحد من سلف الأمة.
بل قد ورد في السنّة الصحيحة ما يغني عنه، فيكون أولى حتى لو كان كلام ابن القيم صحيحا، فكيف وقد ذكرنا فيه ما ذكرنا؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: «الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النار»)
أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه وغيرهم
قلت: والشيخ حبيب إلينا ولكن الحق أحب إلينا من الشيخ
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل
وكتبه
عيد بن فهمي بن محمد بن علي الحسيني
عفا الله عنه
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[07 - 04 - 08, 10:47 م]ـ
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين
فتسمية هذه السلسلة بتصحيح العقائد تسمية غير صحيحة، فيصح أن تسمى تنبيهات أو نحوها من الأسماء، على أن الصواب قد يكون في عكس هذه التصحيحات إلا أن مناقشة أقوال العلماء الغير معصومين لاتنكر إذا كانت بحجة ودليل ممن هو أهل لذلك.
أما ما ذكره ابن القيم من قوله (القرآن كلام الله وقد تجلى الله فيه لعباده وصفاته فتارة يتجلى في جلباب الهيبة والعظمة والجلال فتخضع الأعناق وتنكسر النفوس وتخشع الاصوات ويذوب الكبر كما يذوب الملح في الماء وتارة يتجلى في صفات الجمال والكمال وهو كمال الاسماء وجمال الصفات وجمال الافعال الدال على كمال الذات فيستنفد حبه من قلب العبد قوة الحب كلها بحب ما عرفه من صفات جماله ونعوت كماله فيصبح فؤاد عبده فارغا إلا من محبته)
فهو كلام صحيح مستقيم، ولم ينسب فيه ابن القيم الجلباب لله تعالى وإنما هذا من باب التوسع في اللغة واستخدام البيان، فتحميل كلامه ما لايحتمل من التنطع والتكلف.
¥