تصحيح العقائد السلفية ... {فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} ... (2) مناقشة كلام شيخ الإسلام
ـ[عيد فهمي]ــــــــ[02 - 04 - 08, 11:01 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومَن تبِع وَفده.
أما بعد
فقد جاء في مجموع فتاوى ابن تيمية (ج1/ص251) في مناظرته على العقيدة الواسطية:
((فأحضر بعض أكابرهم كتاب "الأسماء والصفات" للبيهقي -رحمه الله تعالى- فقال: هذا فيه تأويل الوجه عن السلف فقلت: لعلك تعني قوله تعالى: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} فقال: نعم. قد قال مجاهد والشافعي يعني قبلة الله. فقلت: نعم، هذا صحيح عن مجاهد والشافعي وغيرهما، وهذا حق وليست هذه الآية من آيات الصفات. ومن عدّها في الصفات فقد غلط كما فعل طائفة؛ فإن سياق الكلام يدل على المراد حيث قال: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} والمشرق والمغرب الجهات. والوجه هو الجهة؛ يقال أي وجه تريده؟ أي: أي جهة. وأنا أريد هذا الوجه. أي: هذه الجهة. كما قال تعالى: {ولكل وجهة هو موليها} ولهذا قال: {فأينما تولوا فثم وجه الله} أي تستقبلوا وتتوجهوا والله أعلم.)) أ. هـ.
ثم تبنى هذا التفسير في غالب كتبه وتبعه عليه بعض الناس.
بل ونسب ذلك إلى جمهور السلف في موضع آخر حيث قال في مجموع الفتاوى (ج2/ص429):
((قوله: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} أى قبلة الله ووجهة الله هكذا قال جمهور السلف))
قلت:
هذا تأويل صريح للآية، ومخالف لما ورد عن السلف فيها، ونسبة هذا التفسير لجمهور السلف غير صحيح بل لا وجود له عن غير مجاهد ومقاتل وسوف نذكر ذلك في موضعه.
وكلام شيخ الإسلام يُرد عليه من وجوه:
الأول: لا يعرف إطلاق وجه الله على القبلة لغة ولا شرعا ولا عرفا بل القبلة لها اسم يخصها والوجه له اسم يخصه فلا يدخل أحدهما على الآخر ولا يستعار اسمه له.
الثاني: الوجه إذا أضيف لله في القرآن والسنة لا يراد به إلا الصفة في غير هذا الموضع، فاستثناؤه تحكّم غير مقبول
الثالث: قوله: ((والوجه هو الجهة؛ يقال أي وجه تريده؟ أي: أي جهة. وأنا أريد هذا الوجه. أي: هذه الجهة.)) من أخطر ما يكون إذ به يمكن ردّ جميع آيات والأحاديث التي فيها ذكر صفة الوجه، وهناك فارق بين الوجه إذا جاء معرفا بـ (أل) وبين (وجه) إذا جاء مضافا (وجه الله) فهذا لا يحتمل غير الصفة بل إن شيخ الإسلام نفسه شنّع على مثبتة المجاز في اعتبارهم (وجه الطريق) مجازا وقال هو وجه على الحقيقة وتختلف كيفيته باختلاف المضاف إليه وإن كان معناه واحدا، فكيف خالف ذلك هنا؟
الرابع: أن الأحاديث الصحيحة جاءت مفسرة للآية مشتقة منها:
كقوله صلى الله عليه و سلم "إذا قام أحدكم الى الصلاة فإنما يستقبل ربه"
وقوله: "فإن الله يقبل إليه بوجهه عنه"
وقوله: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصقن قبل وجهه" وقوله: "فإن الله بينه وبين القبلة"
وقوله: "إن الله يأمركم بالصلاة فإذا صليتم فلا تلتفتوا فان الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت"
وقال: "إن العبد اذا توضأ فأحسن الوضوء ثم قام الى الصلاة أقبل الله عليه بوجهه فلا ينصرف عنه حتى ينصرف أو يحدث حدث سوء"
وقوله: "إذا قام العبد يصلي أقبل الله عليه بوجهه فاذا التفت أعرض الله عنه وقال: يا ابن آدم أنا خير ممن تلتفت اليه فاذا أقبل على صلاته أقبل الله عليه فإذا التفت أعرض الله عنه"
الخامس: الظاهر في معناه إذا اطّرد استعماله في موارده مستويا امتنع تأويله وإن جاز تأويل ظاهر ما لم يطرد في موارد استعماله؛ لأن التأويل إنما يكون لموضع جاء نادرا خارجا عن نظائره منفردا عنها فيؤول حتى يرد إلى نظائره، وتأويل هذا غير ممتنع؛ لأنه إذا عرف من عادة المتكلم باطراد كلامه في توارد استعماله معنى ألفه المخاطب فإذا جاء موضع يخالفه رده السامع بما عهد من عرف المخاطب إلى عادته المطردة هذا هو المعقول في الأذهان والفطر وعند كافة العقلاء.
¥