تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والحظ معنى الاستهزاء والاستخفاف والاحتقار بشخص النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، في قولهم: {لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم}

إلى غير ذلك من أقوالهم السيئة المشينة، التي تنمّ عما تنمّ عنه.

ثم تأمل تثبيت الله عز وجل لنبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون) تجد فيه من التسلية والتثبيت ما يطمئن القلب، ويذهب الهم والغم، ويجلي الخوف والحزن، ويسلي النبي صلى الله عليه وسلم تسلية عظيمة لا مثيل لها.

ويكفي أن تتأمل ما وراء هذه النون العظيمة في قوله تعالى: (نعلم) من الأسرار التي تحار لها الألباب، فتقف مبهوتة أمام عظمة دلائلها، حيث تجدها تشعر بأن الملكوت الأعلى على علم بما أعلمهم الله به من أذية قومه له، وأنهم من جند الله الناصرين له، وأن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير، وأن لله جنود السموات والأرض وكان الله قوياً عزيزاً، فقوته لا تضاهيها ولا تدانيها قوة، وعزته لا يمكن أن تنخرم أو تشوبها أية شائبة، وأنه قد كتب العزة لنفسه ولرسوله وللمؤمنين.

فتضمحل أمام عظمة مدلولات هذه الآية العظيمة جميع معاني الخوف والحزن والضيق، ويتضاءل أمامها كيد أولئك الكافرين الحاقدين، حيث بدوا في معايير الإيمان واليقين لا يساوون شيئاً يذكر أمام عظمة ملكوت الله تعالى، بل لا يساوون شيئاً يستحق أن يؤبه له.

فيخف ما كان على النفس ثقيلاً، وتتبدد المخاوف، ويذهب الهم والغم، وينجلي الحزن، وتنزل السكينة، ويحل الأمن، وتغمر القلب مشاعر الأنس بالله، والثقة بحفظه ونصره، والطمأنينة بذكره، والتصديق بوعده، فينشغل بالأنس به تعالى عن الوحشة منهم، والفرح به جل وعلا عن الخوف منهم.

وتأمل أيضاً: ما تفيده حروف الواو اللام و (قد)

التي تؤكد تحقق علم الله بما يقولون، وهو علم له لوازمه ومقتضياته وآثاره، ليس مجرد علم، وليس علمه كأي علم، بل هو علم الذي لا يخفى عليه شيء، ولا يعجزه شيء، ولا يمكن أن يقر الظلم على رسوله ووليه، ولا يمكن أن يهمله ويتخلى عنه، سبحانه وبحمده، فهو يتعالى ويتنزه عن أن يخذل رسوله ووليه الذي يسعى في مرضاته، ويبلغ رسالاته، وهذا من أسرار الأمر بالتسبيح بحمده جل وعلا في الآية التي تليها قال تعالى: (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون، فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين)

فأرشده إلى الإعراض عنهم، والاستئناس بعبادة الله وحده، وملازمة عبادته والسجود له، وكلما كان العبد أكثر ذلاً وخضوعاً وانقياداً لله جل وعلا كان نصيبه من العزة والرفعة والحفظ أكمل وأعظم، وفتحت له تلك العبادة أنواعاً من العلم والمعرفة والإيمان واليقين، الذي جد حلاوته وبرده، وأثره عليه ثمرته، دليلاً عظيماً على عناية الله تعالى بعبده، وحسن كفايته ووقايته وحفظه.

فيكتسب القلب ثقة وطمأنينة ويقيناً تضمحل معه جميع أنواع الأذى، وتتلاشى معه صور الرهبة والخوف مما يقولون.

وتأمل على هذا النحو قوله تعالى: {فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} [يس: 76].

وقوله: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور: 48].

وقوله: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء: 83 - 84].

ولا يفوتنك مدلول قوله تعالى: {وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} حيث جعل الله قصة أيوب عليه السلام ذكرى لكل عابد مؤمن، إذا مسه الضر لجأ إلى الله ودعاه فيفرج الله عنه، ويكشف ما به من ضر، ويعوضه خيراً مما فاته.

وكذلك قوله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 87 - 89].

وقلَّ من يتفطن لمعنى قوله تعالى قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}

وقال تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 61 - 62].

فتأملْ -نوَّرَ الله قلبَك بالإيمانِ-عظمةَ اليقينِ بالله عزَّ وجلَّ، كيف لم يتزعزع إيمانه ويقينه بالله في هذه اللحظات الحرجة، فالعدو خلفه يراه، والبحر أمامه، فتوقفت الأسباب المادية، وبقي أعظم سبب لم ينقطع، وهو الإيمان واليقين بالله تعالى وحسن الظن به، فلا جرم م يخذل الله من آمنَ بهِ وتوكلَ عليهِ.

وقال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمرانَ: 173 - 174].

وقال لموسى وهارونَ: {قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46].

وقال في محمَّدٍ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 40].

والآياتُ في هذا المعنى كثيرةٌ.

وللحديث بقية ... وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير