السادس: ما جاء عن الشافعي فهو وجادة للبيهقي بغير إسناد ومن أنعم النظر في الكلمة المنقولة عنه أيقن أنها ليست من كلامه وهي قوله: "فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} يَعْنِي -وَاَللَّهُ أَعْلَمُ-: فَثَمَّ الْوَجْهُ الَّذِي وَجَّهَكُمْ اللَّهُ إلَيْهِ" فما هذا بأسلوب الشافعي خاصة قوله: (والله أعلم) بين ثنايا كلامه، وكتبه شاهدة بذلك، ولعلها مدرجة بين ثنايا كلامه ممن روى عن المزني هذه النسخة أو مِن بعض مَن امتلكها فلا حجة فيها
وعلى فرض ثبوتها -وهو بعيد- فالأولى حملها على التفسير باللازم لموافقة جمهور السلف الذين عدوها من آيات الصفات.
السابع: اعتماد قول مجاهد في تفسير الآية غير مقبول لأمور:
الأول: اختلاف القول عنه فيها فاعتماد ما وافق فيه منهج السلف أولى من غيره.
الثاني: طعن بعض أهل العلم في إسناد ذلك له.
الثالث: احتمال كونه من التفسير باللازم وهذا مشهور عن السلف وخصوصا مجاهد وهو يظهر أكثر من الرابع.
الرابع من الأمور: قد صح عن مجاهد تأويل بعض آيات الصفات، مما يجعل النفس لا تطمئن لما نقل عنه في باب الصفات، وأذكر لذلك مثالا واضحا جليًّا:
قوله تعالى: {إِلَى رَبّهَا نَاظِرَة}
قال الطبري -بعد أن ذكر مذهب السلف الصحيح في تفسيرها-:
((وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنها تنتظر الثواب من ربها.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا عمر بن عبيد، عن منصور، عن مجاهد (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) قال: تنتظر منه الثواب.
قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) قال: تنتظر الثواب من ربها.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) قال: تنتظر الثواب.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور عن مجاهد (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) قال: تنتظر الثواب من ربها، لا يراه من خلقه شيء.
حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن الأعمش، عن مجاهد (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ) قال: نضرة من النعيم (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) قال: تنتظر رزقه وفضله.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، قال: كان أناس يقولون في حديث: "فيرون ربهم" فقلت لمجاهد: إن ناسا يقولون إنه يُرى، قال: يَرى، ولا يراه شيء.)) أ. هـ.
وهذا تأويل فاسد من مجاهد، وقد ردّ عليه ابن تيمية وإن لم يصرّح باسمه فقال في الفتوى الحموية والرسالة العرشية:
((فأما الذى جحد ما وصف الرب من نفسه تعمقا وتكلفا فقد استهوته الشياطين فى الأرض حيران فصار يستدل بزعمه على جحد ما وصف الرب وسمى من نفسه بأن قال لابد إن كان له كذا من أن يكون له كذا فعمى عن البين بالخفى فجحد ما سمى الرب من نفسه لصمت الرب عما لم يسم منها فلم يزل يملى له الشيطان حتى جحد قول الله عز و جل {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} فقال: لا يَراه أحد يوم القيامة. فجحد والله أفضل كرامة الله التى أكرم بها أولياءه يوم القيامة من النظر الى وجهه ونضرته إياهم فى مقعد صدق عند مليك مقتدر))
وإن كان قد اعتذر له في موضع آخر في قاعدة: هل كل مجتهد مصيب؟ حيث قال:
((فصل والخطأ المغفور في الاجتهاد هو فى نوعي المسائل الخبرية والعلمية .... وكما نقل عن بعض التابعين: إن الله لا يُرى. وفسروا قوله: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} بأنها تنتظر ثواب ربها كما نقل عن مجاهد وأبي صالح)) وهذا يؤكد أنه كان على علم بقول مجاهد عندما انتقده.
ولم يعوّل أحد من أهل السنة على قوله ذلك قال ابن كثير في تفسيره:
((ومن تأوّل ذلك بأن المراد بـ {إِلَى} مفرد الآلاء، وهي النعم، كما قال الثوري، عن منصور، عن مجاهد: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} فقال تنتظر الثواب من ربها. رواه ابن جرير من غير وجه عن مجاهد. وكذا قال أبو صالح أيضا -فقد أبعد هذا القائل النجعة، وأبطل فيما ذهب إليه.)) أ. هـ.
فكيف يُعتمد قوله فيما خالف فيه سلف الأمة هنا ولم يُعتمد هناك؟ وهذا يظهر من الوجه الثامن.
¥