تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد ثبت في "صحيح مسلم" من حديث معاوية بن الحكم السلمي أن النبي قال للجارية: (أين الله؟) قالت: في السماء! قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله! قال: أعتقها، فإنها مؤمنة). فشهد النبي لها بالإيمان، ولم يقل لها: ما دليلك؟ من أين قلت ذلك؟ برهني على قولك؟ أو نحو هذا مما يوجبه أهل الكلام.

وأخرج أبو داود عن ابن عباس أن رجلاً قال لرسول الله: أنشدك الله! آلله أرسلك أن نشهد أن لا إله إلا الله وأن ندع اللات والعزى؟ قال: (نعم!) فأسلم. وأصل الحديث في الصحيحين في قصة ضمام بن ثعلبة من بني سعد بن بكر، وفي صحيح مسلم من حديث عمرو بن عبسة أنه أتى النبي فقال: ما أنت؟ قال: (نبي الله!) قلت: آلله أرسلك؟ قال: (نعم!) قلت: بأي شيء؟ قال: (أوحد الله لا أشرك به شيئاً) الحديث. وفي الصحيح من حديث أسامة بن زيد في قصة قتله الرجل الذي قال: لا إله إلا الله، فأنكر عليه النبي وفي صحيح ابن خزيمة في قصة النجاشي، وقول جعفر بن أبي طالب له:"بعث الله إلينا رسولاً نعرف صدقه فدعانا إلى الله وتلا علينا تنزيلاً من الله لا يشبهه شيء، فصدقناه وعرفنا أن الذي جاء به الحق"، وكذلك في كتب النبي إلى هرقل وكسرى وغيرهما من الملوك يدعوهم إلى التوحيد. وغير ذلك من الأخبار المتواترة التواتر المعنوي الدال على أن النبي لم يزد في دعائه المشركين على أن يؤمنوا بالله وحده ويصدقوه فيما جاء به عنه، فمن فعل ذلك، قبل منه، سواء كان إذعانه عن تقدم نظر أم لا، ومن توقف منهم نبهه حينئذ على النظر أو أقام عليه الحجة إلى أن يذعن أو يستمر على عناده. فالمقصود التنبيه على أن النصوص في هذا المجال متظافرة يقطع من خلالها أن هذه الطريقة ليست من دين المسلمين في شيء. فالصحابة ساروا على ما كان عليه النبي من قبولهم لإسلام الناس دون استدلال ونظر، وهكذا عمل المسلمين بعدهم إلى أن حدثت هذه البدعة، فعلم يقيناً وقطعاً أنها مخالفة لإجماع الأمة التي لا تجتمع على ضلالة.

وقد أكثر هؤلاء المتكلمون ذم من تمسك بالكتاب والسنة ولم يستدل بصناعتهم في الكلام، وزعموا أن من كان كذلك فهو مقلد، وهذا خطأ منهم، بل هذا الوصف هو بهم أليق، وبمذاهبهم أخلق، إذ قبلوا قول ساداتهم وكبرائهم من أهل الكلام واتبعوا مناهجهم المخالفة لكتاب الله وسنة رسوله وإجماع الصحابة رضي الله عنهم، فكانوا داخلين فيمن ذمهم الله بقوله:] ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا وقوله:] إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون [.

وعند هؤلاء المتكلمين أن المسلم إذا سلّم بقطعيات هذا الدين، كتوحيد الله جل وعلا وصدق نبوة محمد r وأن ما جاء به حق ونحو ذلك، ولم ينظر قبل ذلك في الوجود، ولم يستدل بعقله على صحة إيمانه، فهو إما كافر حلال الدم والمال أو فاسق آثم مذنب على قولين عندهم، فهم يوجبون على جميع المسلمين أن يستدلوا على وجود الله عز وجل ووحدانيته بقياسات عقلية يسمونها براهين، كالبرهان على أن الله قديم بحدوث العالم، وأن الله ليس بجسم لاستحالة قيام الأعراض بالقديم، ونحو ذلك من البراهين ومباحث الجوهر والعرض والجسم.

وهذه المسالك الواجبة على كل مسلم بزعمهم، كثيراً ما يختلفون فيها ويتناقضون بها، ولهذا تجدهم أكثر الناس حيرة في الدين وأشدهم اضطراباً في العقائد، وأسوأهم تفرقاً، فيتفرقون إلى فرق وأحزاب كثيرة لمجرد اختلافهم في كيفية الاستدلال والبرهان والنتائج، فأبو الهذيل العلاف المعتزلي صاحب فرقة الهذيلية خالفه تلميذه أبو يعقوب الشحام فصار له فرقة تدعى الشحامية، ثم خالفه تلميذه أبو علي الجبائي فصار صاحب الفرقة الجبائية، وكفّر أبا الهذيل شيخ شيخه، ثم أبو هاشم الجبائي خالف أباه أبا علي، فصارت له فرقة تدعى البهشمية، وهكذا دواليك، يكفر بعضهم بعضاً، ويفسق بعضهم بعضاً، ويبدع بعضهم بعضاً، ولهم فرق لا تحصى بعدد البراهين والنتائج التي يعتمدونها ويتوصلون إليها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير