تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الثاني: هناك من الأحكام الفقهية ما يتعلق بالعقيدة، كغسل الرجلين في الوضوء، والمسح على الخفين، ونكاح المتعة، ورجم الزاني المحصن، وغير ذلك من الأحكام الفرعية عندهم، التي هي من صميم عقيدة أهل السنة والجماعة.

الثالث: من لوازم هذا الاصطلاح المحدث أن الأصل لا يجوز الخلاف فيه، والفرع مما يجوز فيه الخلاف، وهذا اللازم منتقض أيضاً، فهناك من مسائل العقيدة قد تنازع فيها أهل العلم، كمسألة خلو العرش من الباري جل وعلا إذا نزل إلى السماء الدنيا، ورؤية النبي r ربه، ورؤية الكافرين ربهم يوم القيامة، وهل النار في الأرض أو في السماء، وهل يعذب الميت ببكاء أهله أم لا، واللفظ بالقرآن مخلوق أم لا، وهل هاروت وماروت ملكان أم شيطانان، وهل إبليس من الملائكة أم من الجن، وهل الملائكة أفضل من البشر أم لا، وهل عثمان أفضل من علي أم العكس أم يتوقف في ذلك، وغير ذلك من المسائل التي تتعلق بالعقيدة تجدها مبثوثة في مواضعها. فيتضح بهذا أن هذه المسائل من الأصول عندهم، وقد تبين أنه يجوز فيها الخلاف في الجملة أيضاً كالفروع. وهناك مسائل في الفروع قد انعقد الإجماع عليها، ولا يجوز فيها الخلاف، كوجوب الطهارة للصلاة، ونجاسة البول والمذي والودي والغائط، وبطلان الصلاة بالقهقهة والأكل والشرب، ووجوب ستر العورة، وتحريم الخمر والميسر والربا والزنا وأكل أموال الناس بالباطل، وغير ذلك من المسائل التي هي من موارد الإجماع. وهي مسائل فرعية! لا مجال لها في كتب أصول الدين-على اصطلاح المتكلمين! -.

الرابع: من لوازم هذا المصطلح أيضاً أن التارك أو المخالف للأصل يكفر بخلاف الفرع، وهذا اللازم ينتقض بالوجه الثالث، إذ هناك مسائل في العقيدة قد تنازع فيها أهل العلم، فلا مجال للحكم بالتبيدع فيها فضلاً عن التكفير. ثم هناك مسائل من الفروع -على اصطلاح هؤلاء المتكلمين- قد حكم بعض أهل العلم بكفر تاركها أو مخالفها، كمسألة تارك الصلاة، فعند جماهير السلف وهو مذهب ابن المبارك وأحمد وإسحاق وابن أبي شيبة، وأحد الوجهين في مذهب الإمام مالك، اختاره ابن عبد الحكم وابن حبيب وغيرهما، أن تارك الصلاة كافر، فهل تعد قضية الصلاة من الفروع أم من الأصول؟ وكذلك في تارك الزكاة والحج نزاع معروف بين السلف هما قولان في مذهب مالك وأحمد، فهل تعد فريضتا الزكاة والحج من الأصول أو من الفروع؟ والمشهور في مذهب أبي حنيفة، أنه من صلى محدثاً بغير وضوء أو إلى غير القبلة أو على ثوبه نجاسة عامداً فهو كافر، فهل يجعل استقبال القبلة أو طهارة الحدث أو طهارة الخبث من الأصول أم من الفروع؟!

فإن قيل: هي من الأصول، فهو افتراء محض، إذ هذه المسائل لا موضع لها في كتب العقائد، كما يعلم ذلك من له أدنى مسكة من علم، وإن قيل: هي من الفروع، وتدرس في كتب الفروع! فيقال: ما بال تارك الفرع يكفر عند هؤلاء، وعندكم لا يكفر؟! فتبين بهذا لكل عاقل فساد هذا التقسيم من أصله، وأن الشريعة كلها أصول، وأن الإيمان يدخل في مسماه العقائد والعبادات والمعاملات، كما قال النبي r: ( الإيمان بضع وسبعون شعبة: فأعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان). رواه مسلم من حديث أبي هريرة. فأيما شعبة نقصت من هذه الشعب كان ذلك نقصاً في إيمان العبد، وأيما شعبة التزمها العبد كانت زيادة في إيمانه؛ وهذا هو الواقع عند السلف رضي الله عنهم، فكانوا لا يميزون العقيدة من عمليات الشريعة، بل الأحكام العلمية والعملية عندهم سواء، وهي كلها شريعة ودين، يجب اعتقادها والعمل بها والدعوة إليها، ولهذا كان المعروف عن الفقهاء كأبي حنيفة وغيره تسميتهم للعقيدة بالفقه الأكبر، تشبيهاً لها بالفقه المصطلح عليه، وهو كذلك، إذ العقيدة والفقه هي أحكام شرعية يخاطب بها المكلفون.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير