وفي عام 1319 قربه المولى عبدالعزيز مستشاراً له نظراً لسعة نفوذه في أوساط القبائل والمدن المغربية. وفي عام 1321 سافر للمشرق بنية الحج، والتقى فيه بزعماء الدول التي زارها، وزعماء الإصلاح والعلم، واطلع عن كثب على مؤامرات ومخططات الاستعمار ضد العالم الإسلامي، وربط علاقات بمملكة أفغانستان، والخلافة العثمانية، وخديوي مصر عباس باشا.
ثم عاد إلى المغرب السنة الموالية مرسخاً الفكر الإصلاحي لتحصين البلاد ضد الاستعمار المحذف بها. وجعل زاويته الكتانية محطاً للرجال المفكرين والمتفتحين المغاربة، والمشارقة الفارين من المشرق؛ كعبد الكريم مراد، وخير الدين التونسي وغيرهما.
وفي هذه الفترة برز الدور الإصلاحي للشيخ محمد بن عبدالكبير الكتاني، خاصة بعد مواقفه من احتلال فرنسا شرق المغرب (توات، والقنادسة)، ورسمه للخارطة المغربية الجزائرية، وموقفه من احتلال فرنسا لمدينتي وجدة والدار البيضاء، ودعائه من أجل ذلك إلى الجهاد ضد المستعمر الفرنسي، وكذا دعوته إلى ترسيخ نظام الملكية الدستورية، عن طريق إحداث البرلمان، وتدوين دستور للبلاد يكون للشعب الحق من خلاله في المشاركة في إدارة البلاد وفقاً لتعاليم الشريعة الإسلامية.
وفي هذا المضمار أنشأ جملة من المفكرين والعلماء مشاريع لدستور مغربي، كما قدم المترجم الدعم المادي والمعنوي لجريدة "لسان المغرب" الصادرة بطنجة، وهي تعد أول جريدة وطنية مغربية. ثم أصدر جريدة "الطاعون" التي كانت مخصصة لمواجهة الهجوم الفكري الغربي.
وكان ملكا المغرب المولى عبدالعزيز والمولى عبدالحفيظ يعتمدان عليه في إيقاف ثورات القبائل المغربية وتمردها ضد السلطة، لما كان له من النفوذ القوي بينهم.
ونظراً لانشغال وزراء العهد العزيزي بمصالحهم الخاصة، وانقطاع كل سبل التفاهم بينه وبينهم، مع ظهور بوادر ضياع المغرب عن طريق احتلال أطرافه دون مقاومة، وانهيار ميزانيته الاقتصادية، ولم تجد في ذلك نصيحة الناصحين ولا جهود المترجم الإصلاحية؛ فقد شارك الشيخ محمد بن عبدالكبير الكتاني في بيعة السلطان عبدالحفيظ بن الحسن الأول ملكاً على المغرب، وخلع المولى عبدالعزيز. غير أن الشيخ الكتاني أصر على تقييد بيعة المولى عبدالحفيظ بشروط الشورى، وجهاد المستعمر، ورفض قرارات الجزيرة الخضراء ... فتمت البيعة عام 1325 تحت تلك الشروط.
وفي هذه الفترة نشط الشيخ الكتاني في دعوة أتباعه إلى جهاد فرنسا، وحرر مئات الرسائل التي تعد مرجعاً هاماً في أدب المقامة المسلحة المغربية ضد الاستعمار الفرنسي، تدعو لمقاومة الغزو، وأخذ الأسباب، والاعتماد على الله تعالى. كما حرض جملة من زعماء القبائل على الاستعداد للحرب ضد فرنسا؛ من أبرزهم: القائد والمجاهد الكبير محمد بن حمو الزياني (موحا وحمو الزاياني).
ونظراً لرفض المولى عبدالحفيظ شروط بيعته، واعتباره إياها تحجيراً لسلطاته، وتطاولاً عليه؛ فقد ساءت العلاقة بينه وبين الشيخ الكتاني، مما هيأ لدهاقنة الاستعمار الفرنسي وأذنابه الولوغ في الماء العكر، والإيقاع بين الشيخ والسلطان، حتى تمت الفاجعة الكبرى باعتقال الشيخ الكتاني في إحدى خرجاته بضواحي فاس، واتهامه بمحاولة الثورة على النظام وإعلان الجهاد. ثم ألقي إلى السياط إلى أن سقط شهيداً في 14 من ربيع الثاني عام 1327/ 1909. قال الزعيم محمد بن عبدالكريم الخطابي: "اقترن استشهاد هذا العالم الجليل باستشهاد أمة كاملة؛ وهي: أمة المغرب".
أجمع مترجموه أنه كان آية في الصلاح والعبادة، شديد الخشية من الله تعالى، لا يترك قيام الليل ولا صيام الأيام الفاضلات، ولا يكاد يجالسه المرء إلا ويكن له المحبة من أعماق قلبه. وكان يرى الزهد في خروج الدنيا من القلب لا من اليد، فكان يتجمل في الثياب بما لا طاقة لأحد به أحياناً، وأحياناً يلبس المرقعات. وكان شديد جمال الوجه واعتدال البدن، بحيث كان يرتدي اللثام أحياناً، فسمي من أجل ذلك بصاحب اللثام.
ترك مؤلفات تزيد على ثلاثمائة مؤلف والمآت من الرسائل الإرشادية. ومن مؤلفاته: "روح الفصوص"؛ ويقع في مجلد ضخم، و"حياة الأنبياء"؛ في مجلدين، و"ختمة البخاري"، و"هداية أهل الخصيصة بشرح حديث الخميصة" في مجلد ضخم ناقش فيه الإمام البخاري وغيره، و"المواقف الإلهية في التصورات المحمدية"، و"الأمالي في علم الأمهات" تحدث فيه عن بضع وتسعين علما، و"الرسالة الستينية في علوم شيخ التربية"، و"البحر الخضم في شروط الاجتماع بالنبي الأعظم"، و"رسالة المؤاخاة"، و"سفينة المحبة" .... وغير ذلك.
وترك أيضاً شعراً يغلب عليه الطابع الصوفي الفلسفي والعشقي، جمعه الدكتور إسماعيل المساوي في ديوان ضمنه حوالي 3400 بيتاً في أطروحة للدكتوراه نوقشت بجامعة مراكش عام 2001).