و اعلم أن هذا الحديث قد يشكل على بعض الناس، و يتوهم أنه مخالف لقوله تعالى: * (وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون) * و نحوها من الآيات و الأحاديث الدالة على أن دخول الجنة بالعمل، وقد أجيب بأجوبة أقربها إلى الصواب: أن الباء في قوله في الحديث: " بعمله " هي باء الثمنية، و الباء في الآية باء السببية، أي أن العمل الصالح سبب لابد منه لدخول الجنة، و لكنه ليس ثمنا
لدخول الجنة، و ما فيها من النعيم المقيم و الدرجات.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في بعض فتاويه: " ولهذا قال بعضهم: الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، و محو الأسباب أن تكون سببا نقص في العقل، و الإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع، و مجرد الأسباب لا يوجب حصول المسبب، فإن المطر إذا نزل و بذر الحب لم يكن ذلك كافيا في حصول النبات، بل لابد من ريح مربية بإذن الله، و لابد من صرف الانتفاء عنه، فلابد من تمام الشروط و زوال الموانع، و كل ذلك بقضاء الله و قدره. و كذلك الولد لا يولد بمجرد إنزال الماء في الفرج، بل كم ممن أنزل و لم يولد له، بل لابد من أن الله شاء خلقه فتحبل المرأة و تربيه في الرحم و سائر ما يتم به خلقه من الشروط و زوال الموانع. و كذلك أمر الآخرة ليس بمجرد العمل ينال الإنسان السعادة، بل هي سبب، و
لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فذكر الحديث)، و قد قال تعالى: * (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) *. فهذه باء السبب، أي بسبب أعمالكم، و الذي نفاه النبي صلى الله عليه وسلم باء المقابلة، كما يقال: اشتريت هذا بهذا. أي ليس العمل عوضا و ثمنا كافيا في دخول الجنة، بل لابد من عفو الله و فضله و رحمته، فبعفوه يمحو السيئات، و برحمته يأتي بالخيرات، و بفضله يضاعف الدرجات.
و في هذا الموضع ضل طائفتان من الناس:
1 - فريق آمنوا بالقدر و ظنوا أن ذلك كاف في حصول المقصود فأعرضوا عن الأسباب الشرعية و الأعمال الصالحة. و هؤلاء يؤول بهم الأمر إلى أن يكفروا بكتب الله و رسله و دينه.
2 - و فريق أخذوا يطلبون الجزاء من الله كما يطلبه الأجير من المستأجر، متكلين على حولهم وقوتهم و عملهم، و كما يطلبه المماليك. و هؤلاء جهال ضلال: فإن الله لم يأمر
العباد بما أمرهم به حاجة إليه، و لا نهاهم عما نهاهم عنه بخلا به، و لكن أمرهم بما فيه صلاحهم، و نهاهم عما فيه فسادهم. و هو سبحانه كما قال: " يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، و لن تبلغوا نفعي فتنفعوني ". فالملك إذا أمر مملوكيه بأمر أمرهم لحاجته إليهم، و هم فعلوه بقوتهم التي لم يخلقها لهم فيطالبون بجزاء ذلك، و الله تعالى غني عن العالمين، فإن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم، و إن أساءوا فلها. لهم ما كسبوا، و عليهم ما اكتسبوا، * (من عمل
صالحا فلنفسه، و من أساء فعليها و ما ربك بظلام للعبيد) * ". انتهى كلام شيخ الإسلام رحمه الله منقولا من " مجموعة الفتاوى " (8/ 70 - 71)
و مثله في " مفتاح دار السعادة " لتلميذه المحقق العلامة ابن قيم الجوزية (ص 9 - 10) و " تجريد التوحيد المفيد " (ص 36 - 43) للمقريزي.
ـ[زوجة وأم]ــــــــ[20 - 04 - 08, 08:08 م]ـ
قال ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم:
وفيه دليلٌ على أنَّ الأعمالَ سببٌ لدخول الجنَّة، كما قال تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} ((2)).
وأما قولُه - صلى الله عليه وسلم -: ((لَنْ يدخُلَ أحدٌ منكُمُ الجنَّة بِعمَلِه)) ((3)) فالمراد - والله أعلم - أنَّ العملَ بنفسه لا يستحقُّ به أحدٌ الجنَّة لولا أنَّ الله جعله - بفضله ورحمته - سبباً لذلك، والعملُ نفسُه من رحمة الله وفضله على عبده، فالجنَّةُ وأسبابُها كلٌّ من فضل الله ورحمته.
أقوال أخرى
رأي ابن حجر رحمه الله في فتح الباري:
¥