فتأمل قول شيخ الإسلام وكيف رتب عموم الرقى وجوازها على أمرين اثنين: انتفاء الشرك، وثبوت النفع، وتأمل قول النفراوي: (( ... والاسترقاء الحسن ما كان بـ ... ، أو الأسماء، والكلمات المعروفة المعاني ... ، وقول السعدي في تفصيل أنواع الرقى الجائزة حين قال: (( ... أو الكلام الحسن فإنها مندوبة في حق الراقي لأنها من باب الإحسان، ولما فيها من النفع ... )).
فننتهي بهذا إلى أن الكلمات المذكورات في: ((كلمات نافعات)) تندرج تحت الشرط الثاني من شروط الأئمة وقد نص الحافظ على الإجماع في جواز الرقية إن كانت عربية مفهومة المعنى وهو قولهم: ((وباللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره))، فهي جائزة لأنها كلمات معروفة المعاني، وهي من الكلام الحسن المندوب إليه بنص الشيخين النفرواي والسعدي.
فقولنا: (بَطَلَ سِحْرُكُمْ)، لفظ عربي، مفهوم المعنى، وقولنا: (حُلَّتْ عُقَدُكُمْ)، كذلك: لفظ عربي، مفهوم المعنى، وقولنا: (فُكَّ رَبْطُكُمْ)، لفظ عربي، مفهوم المعنى، وقولنا: (بَطَلَ كيَْدُكُمْ) وهكذا: (تَفَرَّقَ جَمْعُكُمْ)، و (شَاهَتْ وُجُوهُكُمْ)، كلمات عربية المباني، معروفة المعاني.
فأين الشرك في هذه الكلمات (؟)، أم أين الحرام، والبدعة (؟)، هل في هذا طلاسم سحرية، أم استغاثات شركية (؟)، هل فيها دعاء غير الله (؟)، فههي الأدلة الشرعية، وكلام الأئمة بين أيديكم، في تجويزها، فهي كلام حسن عربي معروف المعنى بديع يندب إليه، قال النفراوي: ((أن الاسترقاء الذي يحسن تركه؛ الاسترقاء بكلام الكفار، أو الألفاظ المجهولة التي لا يعرف معناها كالألفاظ العجمية، والاسترقاء الحسن ما كان بالآيات القرآنية، أو الأسماء والكلمات المعروفة المعاني ... )).اهـ
البيان اللغوي لمعاني (كلمات نافعات) من خلال علم المعاني:
نأتي الآن إلى بيان ما أعجم على المعترضين فهمه من ((كلمات نافعات)) فلا هم وافقوا الشرع فوقفوا عند حدوده فأقروا بجوازها، بنص الحديث: (مالم تكن شركاً)، والإجماع، بإدراجها تحت شرط الجواز الثاني، ولا هم فهموا لغة خطاب العرب فوجهوا الكلمات التوجيه الحسن المراد من معانيها.
الكلام في العربية أو إن شئت قل: عند البلاغيين ينقسم إلى قسمين: خبر، وإنشاء.
فالخبر: كلام يحتمل الصدق، أو الكذب، بحيث نقول لصاحبه أنت صادق في كلامك، أو كاذب.
والإنشاء: كلام لا يحتمل الصدق، ولا الكذب، فلا يمكن أن نقول لصاحبه أنت صادق فيه، أو كاذب.
إذا علمنا هذا جئنا بعد إلى تقسيم الخبر: فقلنا الخبر خبران، أو قلنا هو: نوعان:
خبر لفظاً ومعنىً كقولنا: ((الشَّمسُ مُشرقةٌ))، و ((جَاءَ الأسْتاذُ))، فهذه جمل خبرية لفظاً ومعنى، لفظاً لأنها تحتمل الصدق والكذب، ومعنى لأننا قصدنا حقيقة الإشراق والمجيء.
وخبر لفظاً، إنشاء معنى كقولنا: ((أَيَّدَكَ اللهُ))، فهذه الجملة خبرية لفظاً، لكن المراد بها الإنشاء، فهي إنشائية معنى يراد بها الدعاء، أي: دعائية طلبية، دعاء لك بالتأييد من الله فلا تحتمل الصدق ولا الكذب.
إذن لدينا في الخبر أسلوبان:
(1) ـ (الأسلوب الخبري لفظاً ومعنى).
(2) ـ و (الأسلوب الخبري لفظاً، الإنشائي معنى).
والأسلوب الثاني (هذا) ـ (الخبري الإنشائي) ـ دائماً يفيد (الدعاء)، فهو إنشائي دعائي طلبي: والدعاء الطلبي تختلف جمله وبداياته: قال الدكتور إبراهيم السامرائي في (شرف العربية): ((تختلف جمل الدعاء في العربية، فهي قد تبدأ بالفعل، وقد تبدأ بالاسم المرفوع (11)، وقد تبدأ باللام ومدخوله (12)، وكثيراً ما يأتي معنى الدعاء في عبارة صدرت بالمصدر المنصوب (13))).اهـ
قلت: وقد تبدأ بالصفة المشبهة (14)، وقد تبدأ بـ: (لا النافية) مع المصدر (15)، وقد تبدأ بـ (لا النافية) مع الفعل الماضي (16)، وقد تبدأ بـ (لا النافية) مع الفعل المضارع (17)، وما يهمنا من ذلك كله هو الجمل الفعلية، لا غيرها، فإلى ذكر الأمثلة:
¥