لكن السؤال الذي يَطرح نفسَه الآن، هل إذا ذُكر (ابن الحاج) هكذا عند المالكيّة، مُجرَّداً من أيّ صفةٍ أخرى؛ فإنّ المقصود به حينئذٍ الْعَبْدَرِيُّ صاحبُ "المدخل"؟.
هذا ما يبدُو من كلام حمدي شلبيّ؛ حيث ترجَم لابن الحاج اِلْعَبْدريّ، ولم يُنبِّهْ على أنَّ ثَمَّتَ مَنْ يُعرف بهذه النِّسْبة أيضا عند المالكيّة غيرَ العَبْدَرِيّ، وكان قد نبَّه على ذلك في ترجَمتِه لبعض الأعلام المشترَكة ([72] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=1132070#_ftn72)).
إذا نظرْنا إلى مَنْ يُعرفون بـ (ابن الحاج) من المالكيّة نجد أنهم جمعٌ، ومِنْ أشهرهم:
1. أبو عبد الله؛ محمد بنُ أحمد بنِ خلَف التُّجِيبيّ، أَخَذ عن ابنِ رِزْقٍ وغيرِه، وعنه: القاضي عياضٌ، وابنُ بَشْكُوال، كان يدور القضاءُ في زمَنه بينه وبين أبي الوليد بنِ رشد. له كتاب "النوازل"، و"شرح خُطبة صحيح مسلم". قُتل ظُلماً بجامع قُرطبة، وهو ساجدٌ في صلاة الجُمُعة. تُوفي سنة: 529هـ ([73] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=1132070#_ftn73)).
2. أبو عبد الله؛ محمد بنُ محمد بنِ محمد العَبْدَرِيّ الفاسيّ، صاحبُ كتاب "المدخل"، وقد تقدّم ذكرُه.
3. أبُُو البَرَكات؛ محمد بنُ محمد بنِ إبراهيم البَلَّفِيقيّ الأندلسيّ، فقيهٌ محدِّثٌ أَديبٌ صُوفيٌّ خطيبٌ، أَخذ عن ابن رُشَيد، وأبي الحسَن الصُّغيِّر، وعنه: ابنُ خلدون، وابنُ الخطِيب. وَلِيَ القضاءَ في بلاد عديدةٍ. له كتُبٌ منها: "المؤتمَن في أنْباء أبْناء الزَّمَن". تُوفي سنة: 771هـ ([74] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=1132070#_ftn74)).
أما الأخير مِن هؤلاء فمُستبعَدٌ أن يَقصده المالكيّةُ عند إطلاقهم (ابن الحاج)؛ لأنه لم تُعرف له اجتهاداتٌ واختياراتٌ في المذهب، بل غلَب عليه الأدبُ والخطابةُ.
والظاهر عندي أنَّ (ابن الحاج) إذا أُطلق عند المالكيّة فإنه يَنصرف - غالباً -، ولا سيما في باب المعاملات، إلى ابن الْحاج التُّجِِيبيّ، صاحبِ "النوازل" المشهورةِ عند المالكيَّة، والتي يَعتمد عليها المتأخِّرون منهم كثيراً، وإذا أَرادُوا ابنَ الحاج العَبْدريَّ فإنهم - في الغالب - يُقيِّدُونه بـ (صاحب المدخل) أو بـ (العَبْدَريّ)، ومن القرائن على ذلك:
1 - أنَّ العَبْدريَّ لا تُعرف له مُؤلَّفاتٌ في فُروع المذهب، وإنَّما يَنقُل عنه علماءؤنا من كتابه "المدخل"، وهو وإن نَصَّ فيه على كثيرٍ من الفروع الفقهيّةِ، فإنه قصَد بذلك التَّنبيهَ على البِدع الواقعةِ في عبادات الناسِ ومعاملاتِهم، بِخلاف التُّجِيبيّ، فله كتابُ "النوازل"، وهو من الكتُب الْمُعتمدةِ والْمشهُورةِ في المذهب، وله فيه اختياراتٌ وترجيحاتٌ.
2 - التُّجِيبيّ مُتقدِّم على العَبْدريِّ، ومعاصرٌ لابن رُشدٍ، وتولَّى القضاءَ مُدّةً، فحكَم وأفتى في كثيرٍ من النوازل.
3 - هناك نصوصٌ كثيرةٌ لعلماء المالكيّة يُفهم منها ما رجّحتُه، منها:
أ - قال الحطَّابُ: « ... فقال ابنُ الحاج: أفتيْتُ أنا وابنُ رشدٍ بأنه ضامنٌ، وذُكر لي عن الباجيّ أنه أَفتى ... » ([75] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=1132070#_ftn75)). وابنُ الحاج هنا هو صاحب "النَّوازل" دون شكٍّ.
ب - قال الدّردير: « ... وخالَفَه ابنُ الحاج» ([76] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=1132070#_ftn76)). يَقصد: خالَف ابنَ رُشدٍ. فعلَّق عليها الصّاويُّ: «أي: وكان مُعاصِراً لابن رُشدٍ» ([77] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=1132070#_ftn77)).
ت - قال الدسُوقيّ: « ... بِهذا ٍأَفتى ابنُ رُشدٍ، وخالَفَه عَصْرِيُّه ابنُ الحاج، غيرُ صاحب المدخل» ([78] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=1132070#_ftn78)).
ومن خلال تتبُّعي لبعض كتُب المالكيّة، وجدتُ أنَّهم إذا أرادُوا ابنَ الحاج العَبْدريَِّ فإنهم يُقيّدونه في الغالب بـ (صاحب المدخل)، وإليك نُصوصاً من ذلك:
¥