الأُولى: حكَى الأُشْمُونيُّ في شرحه على الألفيَّة (3/ 263) - ومعه شرح الشواهد للعيْنيّ، وحاشية الصّبّان، دار إحياء الكتب العربيّة، عيسى البابي الحلبي وشركاه مصر - عن أبي عليٍّ الفارسيِّ أنَّ (حمدون) وشبهَه من الأعلام المزيدِ في آخرها واوٌ بعد ضمَّةٍ، ونونٌ لغير جمعيَّةٍ [ومنها: سحنون] لا يوجد في استعمالٍ عربيّ مجبُولٍ على العربيّة، بل في استعمالٍ أعجميٍّ حقيقةً أو حكماً، فأُلحق بما مُنع صرفُهُ؛ للتّعريف والعُجْمةِ المحْضةِ.
لكن نقَل الصَّبَّانُ في حاشيته على شرح الأُشْمونيّ (1/ 95) عن بعض النُّحاة: أنَّ نحو (حمدون وسحنون) يجوز فيه الصرفُ والمنعُ؛ للعَلَميَّة وشبهِ العُجْمَة. وانظر: كُنَّاشة النّوادر لعبد السلام هارون، القسم الأول (ص/22) مكتبة الخانجيّ، القاهرة.
الثانية: خطَّأَ ابنُ مكّيٍّ الصَِّقَِلِّيُّ (ت: 501هـ) في كتابه: تثقيف اللسان وتلقيح الْجَنَان (ص/ 243) مَنْ ينطقون (سحنُون) بضمّ السِّين، ورَأََى أنَّ الصوابَ فتحُها، ورَوَى عن الثِّقةٍ عنده، عن الشيخ أبي عمران الفاسيّ المالكيّ (ت: 429هـ) أنّه ما نطَقَه إلا مفتوحَ السِّين، وكان لا يلحَن في كلامه. ثم نقَل ابنُ مكّيّ عن أحد أشياخه أنه أنْكَرَ ضمَّ السِّين فيه، وأنه ما سمِع أحداً من مشايخه يَنْطِقُه إلا بفتحها. © © ثم وجدتُ ابنَ عبد السلام الأُمويَّ في كتابه: التعريف بالرجال المذكورين في جامع الأمّهات لابن الحاجب (ص/230) يذكر أنَّ الجمهور ينطقون (سحنون) بفتح السِّين.
لكن ضبَطه الزَّبِيديُّ في تاج العروس (35/ 173) بضمّ السِّين، ونقَل عن بعضهم فتحَها.
( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=1132070#_ftnref5)([6]) دليل السالك (ص/82).
وقد نبَّه على هذا الوهَم: أستاذنُا الفاضل حمزة أبو فارس في كتابه: بحوث ودراسات في بعض مصنفات الفقه المالكي (ص/116).
ويبدُو أنَّ الوهَم الذي وقَع فيه حمدي شلبيّ سرَى إليه من كلامٍ مُوهِمٍ لبعض متأخّري المالكيّة، فقد قال العَدَويُّ في حاشيته على شرْح الْخَرَشيّ (1/ 38): «فائدة: الأمّهاتُ أربعٌ: المدوّنة، والموّازيّة، والعُتْبيّة، والواضحة. فالمدوّنة لسحنون، والعُتبيّة للعُتْبيّ، والموّازيّة لِمحمد بنِ الموّاز، والواضحة لابن حبيب. ويقال: إنَّ الدواوين سبعةٌ: الأربعةُ الأُوَل، والمختلطةُ، والمبسوطة، والمجموعة. فالمجموعة لابن عبدوس، والمبسوطة للقاضي إسماعيل، والمختلطة لابن القاسم. انتهى ك». أي مِن "شرح الْخَرَشيّ الكبير على المختصر".
قلتُ: وهناك أدلّةٌ كثيرةٌ على أنَّ "المختلطة" هي نفسُ "المدونة"، منها:
قولُ ابنِ خلدون في المقدمة (ص/285) - لدى حديثِه عن تأليف المدوّنة -: « ... فتَرَك الناسُ كتابَه [يَقصد كتابَ "الأَسَديّة" لأسد بنِ الفُرات] واتّبعوا مُدوّنةَ سحنون، على ما كان فيها من اختلاط المسائل في الأبواب، فكانت تُسمّى: المدونة والمختلطة».
وقال العَدَويُّ في حاشيته على شرْح الْخَرَشيّ (1/ 38) - مُتعقِّباً مَنْ عَدَّ أُمهاتِ المالكيّة سعاً، وجعَل "المدونة" و"المختلطة" كتابيْن -: «ولا يَخفى ما في عدّها سبْعاً من التَّسامُح؛ لأنَّ المدونة هي نفسُ المختلطة».
وقال القاضي عياضٌ في ترتيب المدارك (2/ 437 - 438) - لدى ترجَمتِه لِسُلَيْمان بنِ عبد الملك، المعروفِ بأبي الْمُشْتَرَى: «وهو [أي: سليمان] الذي بوَّب الكُتبَ المختلطةَ الباقيةَ على سحنون من المدوّنة».
وقال أيضاً في ترجَمة محمد بنِ عيشُون: «واختَصَر المدوّنة، إلا الكُتبَ المختلطةَ منها». ترتيب المدارك (2/ 459). وقال مثلَه ابنُ فرحون في الديباج المذهب (2/ 188).
وقال الْمَوَّاق في التاج والإكليل لمختصر خليل (6/ 78) – بهامش مواهب الجليل للحطّاب -: «ومن "المختلطة" قال ابنُ القاسم: وضالّةُ البَقَر إن كانت بِموضعٍ يُخاف عليها من السِّباع والذئاب؛ فهي كالغَنَم، وإن كانت لا يُخاف عليها من السِّباع والذِّئاب فهي كالإبل».
¥