عائشة رضي الله عنها كانت تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون بحرابهم يوم العيد في المسجد من خلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويعارضه الحديث الثابت الصحيح وهو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر فاطمة بنت قيس أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال:" تلك امرأة يغشاها أصحابي اعتدي عند ابن أم مكتوم فانه رجل أعمى تضعين ثيابك ولا يراك، فانظر أخي الكريم كيف فرق النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين زوجاته وباقي نساء المسلمين فإنه سمح لفاطمة بنت قيس أن تضع ثيابها عند ابن أم مكتوم في حين انه قال لزوجتيه احتجبا عنه " أخرجه أبو داود في كتاب اللباس في قول الله عز وجل:" وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن" قال أبو داود في سننه أن هذا لأزواج النبي خاصة وحديث مسلم متفق على صحته وحديث أبي داود مختلف في صحته كما قال ابن حجر العسقلاني وغيره.
قال الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير [26] ما نصه: " وهذا جمع حسن، وبه جمع المنذري في حواشيه، واستحسنه شيخنا " أ. هـ
ويؤيد ذلك قوله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم:-
"لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ " [27] فمن أين يعجبه حسنهن إذا لم يكن هناك مجال لرؤية الوجه الذي هو مجمع محاسن المرأة باتفاق ..
وتدل النصوص والوقائع الكثيرة على أن عامة النساء في عصر النبوة لم يكنَّ منقبات إلا ما ندر، بل كُنَّ كاشفات الوجوه.
ومن ذلك ما رواه الشيخان عن سهل بن سعد أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: " يا رسول الله جئت لأهب لك نفسي فنظر إليها رسول الله صلى الله عليها وآله وسلم وصَعَّدَ فيها النظر وصَوَّبَه، ثم طأطأ رأسه فلما رأت لم يقض شيئا جلست .... " ولو لم تكن كاشفة الوجه ما استطاع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن ينظر إليها ويطيل فيها النظر تصعيدا وتصويبا ورآها بعض الصحابة فطلب من الرسول الكريم أن يزوجها إياه.
ومن الأحاديث التي لها دلالتها هنا:-
ما جاء في الصحيح [28] أن جابر بن عبد الله: شهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم العيد، فبدأت الصلاة قبل الخطبة، .... إلى أن قال ثم مضى حتى أتى النساءَ فوعظهن وذكَّرهن فقال: (تصدقن فإن أكثركن حَطَبُ جهنم) فقامت امرأة من سطة النساء [29] سعفاء الخدين فقالت: لم يا رسول الله؟ قال: لأنكم تكثرن الشكاة [30] و تكفرن العشير [31] , قال: فجعلن يتصدقن من حُلِيِّهن يلقين في ثوب بلال من أقراطهن و خواتمهن".
السعفاء: هو سواد مشرب بحمرة, فمن أين لجابر رضي الله عنه أن يعرف أنها سعفاء الخدين إذا كان وجهها مغطى بالنقاب.
و منها ما رواه مسلم في صحيحه أن سبيعة بنت الحارث كانت تَحتَ سعد بن خولة و هو ممن شهد بدرا, و قد توفي عنها في حجة الوداع, و هي حامل فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته, فلما تعللت [32] , تجملت للخطاب, فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك وقال لها: مالي أراك متجملة؟ لعلك تريدين النكاح! إنك و الله ما أنت بناكحة, حتى تمر عليك أربعة أشهر, قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك جمعت عليَّ ثيابي حين أمسيت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسألته عن ذلك, فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي, وأمرني بالتزويج إن بدا لي.
فدل هذا الحديث على أن سبيعة ظهرت متجملة أمام أبي السنابل، وهو ليس بمَحْرَمٍ لها، بل هو ممن تقدم لخطبتها بعد، ولولا أنها كاشفة الوجه ما عرف إن كانت متجملة أم لا.
وعن عمار بن ياسر رضي الله عنهما [33]: أن رجلاً مرت به امرأة فأحدق بصره إليها، فمر بجدار فمرس وجهه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووجهه يسيل دما فقال يا رسول الله إني فعلت كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد الله بعبد خيرا عجل عقوبة ذنبه في الدنيا وإذا أراد به غير ذلك أمهل عليه ذنوبه، حتى يُوَفَّى بها يوم القيامة كأنه عَيْر [34] "
فصل
الحجاب عند أئمة الفقه
¥