إذن؛ المهم هو ظهور الحقيقة وأيُّ شيءٍ يعيق ذلك فيجب أنْ يزال؛ ومن باب أولى أن لا يكون هناك تلقين للمتهم بحيث يقول غير الحقيقة.
وقد ورد في المادة الثانية والستون بعد المائة من النظام ذاته: إذا اعترف المُتهم في أيِّ وقت بالتُهمة المنسوبة إليه، فعلى المحكمة أن تسمع أقواله تفصيلاً وتُناقِشه فيها. فإذا اطمأنت إلى أن الاعتِراف صحيح ورأت أنهُ لا حاجة إلى أدِلة أُخرى فعليها أن تكتفي بذلك وتفصِل في القضية، وعليها أن تستكمِل التحقيق إذا وجِدت لذلِك داعيًا.
وهذه المادة – في نظري – كالنصِّ في الموضوع، فالاعتراف إذا وقع صحيحًا فعلى المحكمة أن تكتفي بِهِ وتفصِل في القضية، وفي حالةِ إنكارِهِ للتهمة المنسوبةِ إليهِ فعلى المحكمة العمل بِما ورد في المادة الثالثة والستون بعد المائة: إذا أنكر المُتهم التُهمة المنسوبة إليه أو امتنع عن الإجابة، فعلى المحكمة أن تُسرِع في النظر في الأدِلة المُقدَّمة، وتُجري ما تراه لازِمًا بشأنِها، وأن تستجوِب المتهم تفصيلاً بشأن تِلك الأدِلة وما تضمنته الدعوى. ولِكُلٍ مِن طرفي الدعوى مُناقشة شهود الطرف الآخر وأدِلتُه.
وهذا الاستجواب التفصيلي والنظر في الأدلة الأخرى لا تتوافق مع قول من يقول بتلقين المتهم، فهذه الأدلة قد تجعل المتهم يقر، وهذا ما لا يرتضيه أصحاب هذا القول.
وورد في المادة الثمانون بعد المائة: تعتمد المحكمة في حُكمِها على الأدلة المُقدمة إليها في أثناء نظر القضية، ولا يجوز للقاضي أن يقضي بعلمِه، ولا بما يُخالِف علمِه.
ومما يُخالف علمه أنْ يلقن المتهم الإنكار أو ما يدرأ عنه الحد لكي لا يقيم حدَّ اللهِ في أرضِهِ.
أما نظام المرافعات فقد ورد في المادة المائة إلى المادة الثانية بعد المائة أنَّه يجب على المحكمة أن تستجوب الخصوم، وهذا يدل على أنَّ المحكمة مطالبة بالبحث عن الحقيقة؛ بل ورد في المادة الثالثة بعد المائة ما يلي: إذا تخلف الخصم عن الحضور للاستجواب بدون عُذر مقبول أو امتنع عن الإجابة دون مُبرِّر، فللمحكمة أن تسمع البينة، وأن تستخلص ما تراه من ذلك التخلُّف أو الامتِناع.
فاستخلاص شيءٍ من تخلف الخصم أو امتناعِهِ من الحضور ينافي القول بالتلقين.
والإقرار يجب أن يكون أمام القاضي أثناء السير في الدعوى – كما في المادة الرابعة بعد المائة –، ويشترط في صِحة الإقرار، أن يكون المقِر عاقِلاً بالِغًا مُختارًا – كما في المادة الخامسة بعد المائة –.
وليس في هذا النظام ما يشير إلى تلقين المتهم الإنكار أو ما يدرأ عنه الحد؛ بل كل هذه النصوص وغيرها تذكر الإقرار والحرص على التأكد منه، والاستجواب عند وجود الحاجة إلى ذلك، وسماع الأدلة الأخرى والتي تثبت التهمة.
ويتضح لنا من خلال هذه النصوص النظامية أنَّ وليَّ الأمر يمنع من تلقين المتهم – حتى وإنْ كان في المسألةِ من الناحية الفقهية خلافٌ –، ولولي الأمر في مثل هذه القضايا أنْ يختار ما يرى فيه المصلحة، وعلى مَنْ يتولَّى القضاء أنْ يلتزمَ بما رآه ولي الأمر.
هذا ما تيسرت كتابته وتحريره؛ فما كان فيه من صوابٍ فمن الله، وما كان فيهِ من خطإ فمن نفسي والشيطان، وأسألُهُ – تعالى – أنْ يغفر لي ما زلَّ بِهِ القلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـ[عبدالله المزروع]ــــــــ[25 - 10 - 09, 01:34 ص]ـ
هذا البحث وإن كانت كتابته قاربت العام إلا أني ما زلت أنظر فيه وأزيد وأنقص، وعرض الموضوع هنا لأستزيد من المناقشات والآراء ... وتأخري في عرضه بسبب أبحاث ومقالات بدأتها ولمَّا أتمها بعدُ!
وما زال هناك مسائل تحتاج إلى بحث؛ فمن يرى تلقين المتهم اختلفوا في التصريح والتعريض ... وهل التلقين يكون من القاضي أو ممن يحضر مجلسه ... إلخ، ولعل الله ييسر بحثها في وقتٍ لاحق.
وهذا هو البحث بين يديك في المرفقات.
ـ[أبو الحسن البخاري]ــــــــ[08 - 11 - 09, 09:32 م]ـ
أحسن الله إليك يا فضيلة الشيخ و بارك في علمك وزادك من العلم النافع و العمل الصالح و القبول الحسن.
ـ[عبدالله المزروع]ــــــــ[09 - 11 - 09, 10:58 ص]ـ
أحسن الله إليك يا فضيلة الشيخ و بارك في علمك وزادك من العلم النافع و العمل الصالح و القبول الحسن.
حياك الله أخي الفاضل، وبارك فيك، ونفع بك.
ـ[أبوخالد النجدي]ــــــــ[09 - 11 - 09, 09:18 م]ـ
جزاك الله خيراً وبارك فيك.
أنصحك -بعد مراجعة البحث وتدعيمه بالأمثلة- إرساله لمجلة العدل ليستفيد منه المختصون.
ـ[عبدالله المزروع]ــــــــ[10 - 11 - 09, 09:37 ص]ـ
جزاك الله خيراً وبارك فيك.
أنصحك -بعد مراجعة البحث وتدعيمه بالأمثلة- إرساله لمجلة العدل ليستفيد منه المختصون.
وجزاك خيرًا، وبارك فيك ...
ـ[أبو البراء القصيمي]ــــــــ[15 - 11 - 09, 02:01 م]ـ
جزاك الله خير فقد أبدعت وأجدت رفع الله قدرك في الدارين ...
ومن باب المدارسة أخي الكريم يظهر لي القول الثالث القائل بأن التلقين يجوز للتائب فقط
هو الأقرب
بدليل:
عن ابي هريرة قال: جاء ماعز الأسلمي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال إنه قد زنى فأعرض عنه ثم جاء من شقه الآخر فقال يا رسول الله إنه قد زنى فأعرض عنه ثم جاء من شقه الآخر فقال يا رسول الله إنه قد زنى فامر به في الرابعة فأخرج إلى الحرة فرجم بالحجارة فلما وجد مس الحجارة فر يشتد حتى مر برجل معه لحي جمل فضربه به وضربه الناس حتى مات فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم أنه فر حين وجد مس الحجارة ومس الموت فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم هلا تركتموه رواه الترمذي وقال الألباني حسن صحيح.
ففعله صلى الله عليه وسلم (أعرض عنه) ألا يقال أبلغ من التلقين!! فكيف بالتلقين وأيضا قوله صلى الله عليه وسلم (هلا تركتموه) ألا يقال أبلغ من التلقين إذ هو صريح في تركه فكيف بتلقينه مع أنه يستحق العقاب ألا يدل أن مثل هذا التائب يجوز ترك إقامة الحد عليه متى ما ذهب وترك الإصرار، وتدل على مشروعية التلقين لمن هو مثل ماعز جاء تائبا أما المقبوض عليهم فلا.
نفع الله بك وزادك علما
¥