المياه أقسام بمعنى أنواع، وأول أنواع المياه المطلق وحكمه أنه طهور يرفع الحدث والخبث، وعرفه بأنه الباقي على أصل خلقته، واعترض عليه بما إذا خرج الماء من عذوبة إلى ملوحة أو العكس، وانفصل خ عن هذا الإلزام بتعريف المطلق بأنه: ما لم يضف إليه شيء.
وبين المطلق والطهورية عموم وخصوص عند المؤلف، فكل مطلق طهور من غير عكس، وجعل ابن عبد الوهاب ما تغير بقراره أو بما يعسر صون الماء عنه من المطلق فهو مرادف للطهور عنده.
وألحق المصنف بالمطلق ما تغير بشيء يعسر الاحتراز منه غالبا كقراره أو طول مكث أو طحلب وقيل في المتغير بالطحلب أنه مكروه.
والاحتراز بالغالب ليخرج ما ليس بغالب، كورق الشجر، واختلف فيه فذهب العراقيون إلى أنه لا يضر، وقال الإبياني يضر، وهل ذلك مقصور على البرك والأنهار أم يشمل الآبار والأوني؟ قولان، والظاهر من فتوى ابن رشد اللحوق.
وكره مالك من غير تحريم ماء البرك المتغير بروث الماشية، واختلف هل ذلك على وجهه لأنه رأى الروث غالبا، أو هو للمنع؟
أما التغير بحبل السانية فإنه مضر، وفرق ابن رشد بين التغير اليسير فيجوز، وبين البين فلا.
أما الماء يتغير بقطران القرب، فهو على أقسام:
أن يتغير اللون أو الطعم فهو ضار، وأخل خ بنقل كلام سند هنا.
أن يتغير الريح فقط فهو على مراتب:
أن تبقى الريح في القربة من غير وجود جرم، فهذا مجاور لا يضر.
أن يكون له جرم، فإن تحققت الممازجة ضر، وإن كان لمجاورة فلا. كذا قرره سند والحطاب هذا الموضع، ورده الرهوني وغيره، حيث جعلوا تغير الريح مع وجود الجرم ضارا مطلقا.
و نقل أنه مغتفر في حق المسافرين للضرورة.
والمتغير بالمجاورة قسمان:
قسم ملاصق، فهذا ضار.
قسم غير ملاصق، كدهن، أو جيفة بإزاء بركة ماء تغير منهما ريح الماء فلا يضر.
واختلف في المبخر بالمصطكى على قولين: بناء على أنه مجاور أو مخالط، واستظهر خ السلب.
ويلحق بما يشق صون الماء عنه: التراب المطروح في مشهور المذهب، ومعنى المطروح قصد طرحه في الماء، فإن تخلف القصد فلا خلاف في عدم السلب، ويلحق بالتراب ما يشبهه كالمغرة والكبريت والنحاس ولو دخلته الصنعة كآنية الصفر.
ووجه المخالف أن التراب المطروح خرج عن كونه يشق الاحتراز منه فسلب الطهورية.
أما التغير بالملح المطروح فاختلف فيه على ثلاثة أقوال:
1 - السلب.
2 - عدم السلب.
3 - الفرق بين أن يكون معدنيا فلا يسلب، وأن يكون مصنوعا فيسلب.
ووجه السلب أنه أشبه المطعوم، فأعطي حكمه، ووجه عدم السلب أنه أشبه التراب والمعدن فأعطي حكمه، ووجه التفريق أن المعدني يجوز به التيمم فجاز التطهر بالماء المتغير منه، أما المصنوع فأخرجته الصنعة عن أن يكون من جنس الصعيد فسلب وصف الطهورية، وقيل بالعكس لأن المعدني طعام، والمصنوع أصله من التراب، قال خ: وفيه نظر.
وقد اختلف في القول بالتفريق هل هو تفسير أو خلاف؟ وفائدة كونه تفسيرا أن الخلاف بين الأقوال خلاف في حال. والله أعلم
ولا تأثير للتسخين بالنار أو الحرارة في سلب الطهورية عن الماء، واقتصر سند وعياض على القول بالكراهة في المشمس.
بعد أن انتهى المصنف من المخالطات التي يعسر الاحتراز منها وما فيها من الخلاف انتقل إلى ما لا يعسر الاحتراز منه، وأحوال المياه المختلطة بما لا يشق صون الماء عنه على أقسام وذلك لاختلاف نوع المخالط، وأثره:
فإن كان نجسا لم يغير والماء كثير، فطهور باتفاق، واستشكل الاتفاق، إلا أن يقصد الكثير المتفق عليه بين الأمة، فنعم، لأن ابن رشد قال: الكثير الذي خالطه نجس طهور باتفاق، إلا ما نقل ابن نافع عن مالك في ذلك، فهي رواية شبيهة بقول أبي حنيفة.
وأجيب بأن المصنف نقل الاتفاق على الكثير، ومالك لم ير الماء كثيرا في رواية ابن نافع.
وإن كان المخالط طاهرا ولم يغير الماء، فعلى قولين في المذهب:
الأول: طهور قل الماء أو كثر، وهو المشهور.
الثاني للقابسي: التفريق بين القليل والكثير، فالكثير طهور والقليل غير طهور، وحكي عنه الكراهة أيضا في القليل، ووجه التخريج: على الماء القليل تقع فيه النجاسة ولا تغيره، على القول بفساده.
ع: والقياس على النجاسة، ضعيف، لأن النجاسة تسلب الطهورية والطهارة معا، بخلاف الطاهر.
¥