[ابن حبان في وادي ونحن في آخر]
ـ[صلاح هلل]ــــــــ[13 - 04 - 04, 07:11 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقد اطلعت على كلام بعض الفضلاء في تفسير بعض أقوال ابن حبان في مقدمة صحيحه، فرأيته نأى في تفسيره عن مراد ابن حبان، وكنت قد كتبت شيئًا في الموضوع في غير هذا الموضع، فأردت أن يراه إخواني الأفاضل في هذا الموضع، رجاء النفع والمشاورة، والله الموفق:
قال ابن حبان رحمه الله في مقدمة صحيحه (1/ 156): «فأما الأخبار؛ بار؛ فإنها كلها أخبار آحاد؛ لأنه ليس يُوجد عن النبي صلى الله عليه وسلم خبرٌ من رواية عدلين، روى أحدُهما عن عدلين، وكلُّ واحدٍ منهما عن عدلين، حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما استحال هذا، وبطل؛ ثبتَ أن الأخبار كلها أخبارُ آحاد، وأن من تنكَّبَ عن قبول أخبار الآحاد فقد عمد إلى ترك السنن كلها، لعدم وجود السنن إلا من رواية الآحاد» أهـ
ومراد ابن حبان من عبارته ظاهرٌ في الاحتجاج على الخصم بمثل هذا في إثبات خبر الواحد؛ يعني الذي لم يروه إلا واحد فقط، ثم ذكر ابن حبان بجلاء أن جميع الأحاديث أخبار آحاد، ولو في بعض طبقاته؛ لأنه لا يوجد في الأحاديث ما يرويه اثنان عن اثنين حتى نهاية الإسناد، لكن لابد من الاعتماد على رواية واحد ولو في بعض الطبقات دون بعض.
فإنكار خبر الواحد والحالة هذه إنكار لجميع السنة، ورَدٌّ لها كما ذكر ابن حبان، وهو حقٌّ، واستدلالٌ جميل جدًا على إثبات خبر الواحد وقبوله.
وابن حبان رحمه الله نفى وجود الحديث من رواية عدلين على الدوام من أول الإسناد حتى آخره، فلا يصح إقحام الكلام على العزيز (رواية الاثنين) في تفسير كلام ابن حبان بعد ذلك؛ لأنه نفى وجود مثل هذه الرواية من أول الإسناد حتى آخره.
وهذا مراد ابن حبان، وليس مراده الكلام عن العزيز والمشهور والمتواتر، وغير ذلك من أقسام الحديث المعروفة عند متأخري المصنفين، خاصة وأن متقدمي المصنفين لم تشتهر عندهم هذه التقسيمات.
ولابد عند محاكمة ابن حبان في كلامه هذا، أو تفسيره وشرحه من معرفة مقصده من العزيز والمتواتر، فهل وُجِدَ ذلك في كلام ابن حبان أصلاً؟ لم أَرَهُ ومن كان عنده علم فليفدني.
فلا يصح والحالة هذه محاكمة الرجل وفهم كلامه على ضوء قواعد ابن حجر وغيره في العزيز والمتواتر؛ لأن ابن حبان ما دار في رأسه هذا الأمر أصلاً.
وهذا شبيه بكلام السيوطي على بعض الأحاديث حين قال: ((وجدت له طرقًا ما رآها الإمام أحمد)) أو نحو هذه العبارة، فرد عليه غيره بقوله: ((وما ذنب أحمد إن وُجِدَتْ هذه الطرق بعد زمانه؟!)) يعني أنها مكذوبة بعد زمان الإمام أحمد رحمه الله.
فابن حبان رحمه الله يتكلم عن قضية أخرى، وهي الرد على من لا يقبل خبر الآحاد، وذكر دليلاً في غاية الحسن؛ لأن الأحاديث يعز جدًا أن يرويها عدلين عن عدلين، وكل منهم عن عدلين آخرين وهكذا.
مثاله: عمر ومحمد يرويان الحديث عن خالد وإبراهيم، ويروي خالد عن شعبة وسفيان، ويروي إبراهيم عن غندر وبندار، وهما بدورهما يرويان عن آخرين، فيروي غندر عن سعد وسعيد، ويروي بندار عن محمد وبشار، ثم يروي سعد عن صالح وصبيح، ويروي سعيد عن أنس وأنيس، وكذا يروي محمد عن بكر وبكار، ويروي بشار عن بشر وبشير.
وهكذا إلى آخر الرواية، وهذا يكاد يكون معدومًا، وهو الذي نفاه ابن حبان رحمه الله في كلامه.
فلابد من قبول خبر الآحاد حينئذ وإلا أبطلت السنن، لأنه ما من حديث إلا وهو من رواية الآحاد ولو في بعض طبقات الإسناد.
فهذا هو الذي أفهمه من كلام ابن حبان رحمه الله تعالى، دون غيره، ولا أجد فيه غضاضة في التفسير، ولا لوم على الرجل فيما ذهب إليه، ومن كان عنده تعقيب على ذلك فليفدني به.
والكلام على ابن حبان وكلامه من منطلق الكلام على العزيز والمتواتر فيه نظر؛ لأنه ما قصد ذلك أصلاً، وما عرفه في الأساس، وإنما دار حديثه على خبر الواحد وقبوله وعدمه.
وكلامه هذا مبنيٌّ على كلامه السابق عليه حين قال عن نَقَلَةِ الأخبار: « ... فمن صح عندنا منهم أنه عدلٌ احتججنا به وقَبِلْنَا ما رواه، وأدخلناه في كتابنا هذا، ... » إلخ.
وحتى لا يعترض عليه أحدٌ فيقول: وهل إذا صح عندك يا ابن حبان عدالة رجل فهل تحتج بخبره وإن لم يتابع؟ أليس هذا من باب خبر الواحد؟
¥