[ما معنى مرسل عند أئمة العلل الأوائل]
ـ[ابن المديني]ــــــــ[13 - 04 - 04, 08:38 م]ـ
هذا جزء من بحث لطيف كنت قد اعتنيت به فيما سبق في عبارات الإعلال عند الأئمة الأوائل: دلالاتها ومعانيها، سأوردها بحسب ما يتيسر لي تباعاً إن شاء الله، وإليك - رعاك الله - اليوم عباراتان اثنتان من تلك العبارات، أسأل الله أن ينفعنا بها، وأن يغفر لنا الزلل والخطأ: (مُرسَل):
المرسَل في اللغة (): اسم مفعول من "أرسل"، ويُطلق على عدة معانٍ:
أ. الإطلاق والترك.
ب. التقطّع، من قولهم: جاء القوم أرسالاً، أي قِطَعاً متفرقين.
ج. الاسترسال، وهو الطمأنينة إلى الإنسان، والثقة فيما يقول، فكأنّ المرسِل اطمأن إلى من أرسل عنه.
د. السرعة، من قولهم: ناقةٌ مرسالٌ، أي سريعةُ سير.
قال الحافظ العلائي بعد أن ذكر تلك المعاني اللغوية: (والكلُّ محتملٌ) ().
أما اصطلاحاً: فقد استقر الاصطلاح على التعريف المشهور الذي عليه جمهور المحدّثين:
وهو ما أضافه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ().
وقد استعمل الأئمة لفظ (مرسل) على معنيين:
أ. المعنى المشهور الذي استقر عليه الاصطلاح:
- المثال الأول: قال الترمذي في العلل الكبير (1/ 137): (وسألت محمدا عن حديث ابن الفِرَاسي في ماء البحر، فقال: هو مرسل؛ ابن الفِرَاسي لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، والفِرَاسي رضي الله عنه له صحبة).
- المثال الثاني: قال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 97): (سألت ابي وأبا زرعة عن حديث رواه عَبيدة بن حمُيد () عن يزيد بن أبي زياد عن تميم بن سلمة عن مسروق عن ابن عباس قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأعْرَس من الليل فرقد فلم يستيقظ الا بالشمس فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأذن ثم صلى الركعتين.
فقالا: هذا خطأ، أخطأ فيه عَبيدة؛ رواه جماعة فقالوا: عن تميم بن سلمة عن مسروق قال كان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر. مرسلٌ فقط، قلت لهما: الوهم ممن هو؟ قالا: من عَبيدة).
ب. مُطلق الانقطاع، وقد جاء في كلام كثير من الأئمة المتقدمين إطلاق لفظ الإرسال على كل انقطاع، ولا يخُصونه بمرفوع التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما استقر عليه الاصطلاح، فسموا الانقطاع الواقع بين التابعي والصحابي إرسالاً.
ويدل على هذا ما ذكره الحافظ ابن رجب عن الإمام أحمد أنه قال في حديثٍ رُوي في استدبار القبلة من طريق
عراكٍ عن عائشة مرفوعاً: (هو أحسن ما روى في الرخصة، وإن كان مرسلاً ... )، قال ابن رجب: (ويعني بإرساله: أن عراكاً لم يسمع من عائشة، وقال: إنما يروي عن عروة عن عائشة ... ) ().
ومن ذلك قول البخاري حين سأله الترمذي عن حديث محمد بن علي عن أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحج جهاد كل ضعيف)، فقال: هو حديث مرسل؛لم يدرك محمد بن علي أم سلمة ().
ومن ذلك قول أبي حاتم الرازي في حديثٍ يرويه يحيى بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن البراء، فقال أبو حاتم: (هو مرسلٌ، لم يُدرك يحيى بن إسحاق البراء رضي الله عنه .. ) ().
وقول أبي زرعة عن رواية عبد الله بن بُريدة عن عمر رضي الله عنه: (مرسل) ().
5. (فلانٌ لم يسمع من فلان):
استعمل الأئمة هذه العبارة كثيراً في إعلالهم للأحاديث، وكثيراً ما يُعبّرون بها في الحكم على رواية المتعاصرَيْن إذا دلّت القرائن على عدم ثبوت السماع بينهما، ولو ثبتت الرؤية أحياناً، أو جاء ما ظاهره التصريح بالسماع بينهما في بعض الأسانيد، مع برائتهما من التدليس، فإنّهم يُعلّون هذه الطرق المُصرّحة بالسماع، لأجل تلك القرائن التي تقوي القول بالانقطاع، ومن المهم جداً لفهم طريقة الأئمة في حكمهم بهذه العبارة التي تفيد نفي السماع أن يعتني الباحثون بتلك القرائن الخاصة التي تشهد للسماع أو تشهد لعدمه.
فتجد الأئمة يُعلون بعدم السماع روايةَ الراوي عن شيخٍ عاصره ورُبّما رآه أو سمع منه في الجملة شيئاً يسيراً، ولم يسمع بقية حديثه، وإن ذُكر التصريح بالسماع بينهما في بعض الأسانيد.
¥