تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال الحافظ ابن رجب لما أورد الإمام البخاري حديثاً قد رواه الشعبي - وهو من أهل الكوفة-، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه - وهو حجازيٌ نزل مصر، ولم يسكن العراق -، فاحتاج البخاري أن يذكر ما يدلُّ على سماعه منه، فعلل ابن رجبٍ ذلك بقوله: (البخاري لا يرى أنّ الإسناد يتصل بدون ثبوت لقي الرواة بعضهم لبعض، وخصوصاً إذا روى بعض أهل بلدٍ عن بعض أهل بلدٍ ناءٍ عنه؛ فإنّ أئمة أهل الحديث ما زالوا يستدلون على عدم السماع بتباعد بلدان الرواة، كما قالوا في رواية سعيد بن المسيب عن أبي الدرداء رضي الله عنه، وما أشبه ذلك) ().

وقد أعمل ابن المديني هذه القرينة في عدد من الأحاديث، فعلى سبيل المثال نفى سماع الحسن من الضحاك بن قيس رضي الله عنه وعلل ذلك بقوله: ( ... كان الضحاك يكون بالبوادي) ()، والحسن البصري سكن المدينة لا البادية.

وأيضاً حكم بعدم سماع الحسن من ابن عباس رضي الله عنه، وعلل ذلك بتباعد البلدان قائلاً: (كان - أي الحسن- بالمدينة أيام كان ابن عباس رضي الله عنه بالبصرة، استعمله علي رضي الله عنه، وخرج إلى صفين ... والحسن لم يسمع من ابن عباس رضي الله عنه، وما رآه قط، كان ابن عباس رضي الله عنه بالبصرة) ().

ومثله نفيه لسماع الحسن من الأسود بن سريع رضي الله عنه، وعلل ذلك باختلاف البلدان وتباعدها، حيث قال ابن المديني: (الحسن عندنا لم يسمع من الأسود، لأن الأسود خرج من البصرة أيام علي، وكان الحسن بالمدينة، فقلت له (أي راوي العلل عن ابن المديني محمد بن أحمد بن البرّاء): المبارك (يعني ابن فضالة) يقول في حديث الحسن عن الأسود رضي الله عنه: " أتيت رسول الله r فقلت: إني حمدت ربي بمحامد": أخبرني الأسود رضي الله عنه، فلم يعتمد على المبارك في ذلك) (). ومن القرائن المعتبرة أيضاً:

$ ذِكْر الواسطة أو مايدل على وجودها بين راويين متعاصرين، ولا توجد قرينة تدلُّ على ثبوت السماع بينهما:

وهذه قرينةٌ معروفةٌ عند الأئمة، قال الحافظ ابن رجب: (فإن كان الثقة يروي عمّن عاصره أحياناً - ولم يثبت لقيُّه له -، ثم يُدخل أحياناً بينه وبينه واسطةً، فهذا يستدلُّ به هؤلاء الأئمة على عدم السماع منه.

قال أحمد: " البهي ما أُراه سمع من عائشة، قال: وفي حديث زائدة عن السُدّي عن البهي قال: حدثتني عائشة، قال: وكان ابن مهدي سمعه من زائدة، وكان يدعُ منه: "حدثتني عائشة" يُنكره) ()، ثم استطرد ابن رجب وذكر عدداً من الأمثلة من كلام الحفّاظ، ثم قال: ( ... وكلام أحمد، وأبي زُرعة، وأبي حاتم في هذا المعنى كثيرٌ جداً يطول الكتاب بذكره ... ) ().

وقال ابن القطان الفاسي مقرراً إنّ إدخال الوسائط بين الراويين يدلُّ على عدم السماع، عند عدم تصريح أحدهما بلقائه الآخر في روايةٍ أخرى: (ويكون هذا - يعني الانقطاع - أَبْيَن في اثنين لم يُعلم سماع أحدهما من الآخر، وإنْ كان الزمان قد جمعهما.

وعلى هذا المحدّثون، وعليه وضعوا كتبهم: كمسلم في كتاب التمييز، والدارقطني في علله، والترمذي، وما يقع للبخاري، والنسائي، والبزار، وغيرهم ممن لا يُحصى كثرةً .. ) ().

وممن استعملها أيضاً: أبو حاتم، وأبو زرعة الرازيان.

ومن شواهد ذلك، قول أبي حاتم: (لم أختلف أنا وأبو زرعة وجماعة من أصحابنا أنَّ الزهري لم يسمع من أبان بن عثمان شيئاً، وكيف سمع من أبان وهو يقول: بلغني عن أبان!، قيل له: فإن محمد بن يحيى النيسابوري كان يقول: قد سمع، قال: محمد بن يحيى كان بابه السلامة) ().

فأبو حاتم كان يحكم باتصال رواية المتعاصرين، حتى يقف على قرينةٍ تشهد لعدم السماع، كقرينة ذكر الواسطة، قال أبو حاتم: (كنت أرى أنّ أبا حمزة السُكّري أدرك بكر بن الأخنس، حتى قيل لي: إنّ المراوزة يُدخلون بينهما: أيوب بن عائذ) ().

وقال أيضاً: (لا أدري سمع الشعبي من سمُرة رضي الله عنه أم لا؟؛ لأنّه يُدخل بينه وبينه رجلاً) ().

وقد أعمل ابن المديني هذه القرينة في عدة أحاديث، ومنها أنّه أعلّ رواية عبد الله بن بُريدة عن أبي الأسود بالانقطاع، وصرّح بذكر سبب التعليل قائلاً: ( ... لأنّ عبد الله بن بُريدة يُدخل بينه وبين أبي الأسود يحيى بن يَعمر، وقد أدرك أبا الأسود، ولم يقل فيه: سمعت أبا الأسود ... ) ()، وإلى لقاء قريب إن شاء الله أتركك أيها الموفق في حفظ الله ورعايته، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

[ SIZ صلى الله عليه وسلم =3] 18 [/ SIZ صلى الله عليه وسلم]

ـ[محمد بن يوسف]ــــــــ[16 - 04 - 04, 06:57 ص]ـ

يُنقَل الموضوع لمنتدى "العلوم الشرعية"، وجزاكم الله خيرًا.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير