بما ثبت في صحيح مسلم عن سلمة بن الأكوع قال: (لما كان يوم خيبر قاتل أخي قتالاً شديداً " وهو عامر بن الأكوع " فارتد عليه سيفه فقتله فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وشكوا فيه: " في شهادته في سبيل الله " فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنه مات جاهداً مجاهداً) فكان له حكم الشهداء.
وكان له حكمهم من حيث العموم فإنه لم ينقل لنا أنه خص بحكم سوى حكمهم من ترك تغسيلهم، فكان له حكم شهداء خيبر ممن قتل في سبيل الله تعالى، وهذا القول أظهر.
فالراجح أنه في هذه المسألة لا يغسل ولا يصلى عليه فله حكم الشهداء، لأنه مظنة الموت في المسائل الأخيرة بسبب الكفار والقتال مظنة قوية حيث وجد ميتاً أثناء ذلك.
أما لو علم أن موته ليس بسبب القتال فإن له الحكم الأصلي من كونه يغسل ويصلى عليه.
قال: (أو حمل فأَكَل أو طال بقاؤه عرفاً غسل وصلي عليه)
أي من حمل فأكل أو شرب أو تكلم أو [فعل] فعلاً من الأفعال التي يفعلها الحي، أو طال بقاؤه عرفاً.
إذن: إن تكلم أو أكل أو شرب أو نحو ذلك من الأفعال التي تقع من الحي وإن لم يطل بقاؤه عرفاً فإنه يغسل ويصلى عليه.
فإن لم يفعل هذه الأفعال وطال بقاؤه عرفاً، فكذلك يغسل ويصلى عليه.
فالمسألة إذن: من هو الشهيد الذي يترتب عليه الحكم من ترك الصلاة والغسل؟
1 - المشهور في المذهب: أن هذا الحكم خاص فيمن أصيب في المعركة ولم يطل بقاؤه عرفاً بشرط ألا يفعل شيئاً من أفعال الحي من شرب أو كلام ونحو ذلك.
2 - وقال الموفق والمجد ابن تيمية من الحنابلة: بل إن طال بقاؤه عرفاً فهو الذي يخرج من هذا الحكم.
أما مجرد كونه يشرب أو أنه يتكلم أو تأخذه إغفاءة فإن هذا ليس بمؤثر في الحكم ما دام لم يطل الزمن عرفاً إلا أن يأكل فإن الأكل إنما هو من شأن الأحياء.
فعندهم أن من أكل وإن لم يطل بقاؤه عرفاً، فإنه ينتفي عنه الحكم، فيغسل ويصلى عليه.
3 - وقال الشافعية، وهو قول في مذهب الإمام أحمد: لا يثبت هذا الحكم إلا فيمن كان موته قبل انقضاء الحرب. أما لو بقي بعد انقضاء الحرب فحمل إلى جهة المسلمين فإنه يغسل ويصلى عليه.
الترجيح:
أما ما ذهب إليه الشافعية فإنه ينبغي أن يستثنى منه: ما لو بقي به رمق وهو في أثناء المعركة ثم حدث له الموت وقد علم انتصار هؤلاء على هؤلاء فقد انقضت المعركة، لكن بقي به من رمق ثم كان موته، فإن مثل هذا ينبغي أن يكون له الحكم من ترك التغسيل والصلاة عليه.
وقد روى مالك في موطئه بإسناد منقطع: أن سعد بن الربيع وكان من شهداء أحد كان هكذا، فإنه قد بقي به رمق بعد انتهاء المعركة ثم مات وكان من شهداء أحد، والسند وإن كان منقطعاً لكن هذه القصة مشهورة في كتب السير.
ثم إنه ليس هناك فارق مؤثر بين أن يموت في أثناء المعركة وأن يبقى به رمق وهو في موضعه ثم يموت بعد انتهائها، في الحقيقة لا فرق بين هاتين الصورتين.
والقول بما ذهب إليه الحنابلة قول فيه قوة - وليس المقصود على إطلاقه بل على إخراج ما ذكروه من الشرب والكلام.
فإن مثل هذه غير مؤثرة في الحقيقة، فإن مثل هذه الأمور تقع ممن يحتضر، فيقع منه الشرب والكلام والتوصية ونحو ذلك، فمثل هذه الأمور ليست بمؤثرة بخلاف الأكل فإنه لا يقع إلا من الأحياء.
فالقول: بأنه متى طال الزمن عرفاً خرج من حكم الشهداء هذا قول قوي؛ لأن الأصل هو بقاء الحكم لما كان أثراً منه، والأثر في موته إنما هو هذه المعركة، وقد بقي زمناً يسيراً في العرف فلم يطل ذلك عرفاً، فكان باقياً في حكم ذلك الأثر الذي أثر به.
أما إذا طال الزمن عرفاً فإنه يخرج من هذا الحكم، فإن سعد بن معاذ قد أصيب بسهم في أكحله في غزوة الخندق - كما ثبت في الصحيحين – ولم يكن له حكم الشهداء بل غسل وصلي عليه.
وهذا وإن لم ينقل لنا فإنه في حكم المنقول إذ الهمم متوفرة لنقله والدواعي قائمة لنقله، فلو كان له حكم الشهداء لنقل ذلك، بل بقي مسكوتاً على طريقة غسله وتكفينه فكان ذلك إبقاءً على الأصل من كونه يغسل ويكفن؛ لأنه قد طال الفصل عرفاً.
إذن: ينبغي أن يقال: من جرح جرحاً شديداً أثناء القتال فمات فيه أو قبل انقضاء الحرب أو بعد زمن يسير من انقضائها وكان السبب هو هذا الجرح الذي أصابه فله حكم الشهداء.
أما إذا طال الفصل عرفاً، كأن يذهب إلى بلاده ويبقى ممرضاً حتى يأتيه الموت فإنه لا يكون له حكم الشهداء كما هو مشهور عند المسلمين كما في قصة سعد بن معاذ وغيره.
ـ[أبو الزهراء الشافعي]ــــــــ[23 - 04 - 04, 09:32 م]ـ
جوزيت خيرا في الدنيا والآخرة