قال: (وإن سلبها كفن بغيرها)
إن سلب الثياب في القتال، فوقعت سلباً للكفار فإنه يكفن بثياب أخر.
فما تقدم من الكلام فيما إذا كان عليه ثياب، أما إذا لم يكن عليه ثياب، أو كانت عليه ثياب غير كافية فإنه يكفن بثياب أخرى.
قال: (ولا يصلى عليه)
فشهيد المعركة لا يصلى عليه، لحديث جابر المتقدم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم: (لم يغسل شهداء أحد ولم يصل عليهم) ونحوه من حديث أنس في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم: (لم يصل على شهداء أحد) فهذه الأحاديث تدل على أنه لا تشرع الصلاة على شهيد المعركة.
- هذا هو مذهب جمهور العلماء.
- وذهب الأحناف: إلى مشروعية ذلك.
واستدلوا: بما ثبت في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم: (خرج إلى أهل أحد فصلى عليهم كصلاته على الميت)
في البخاري: (بعد ثمان سنوات كالمودع للأحياء والأموات) أي كان ذلك قبيل وفاته بعد نحو ثمان سنوات من وقعة أحد، وهذا من باب التجوز فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد توفي بعد سبع سنوات وأشهر من غزوة أحد.
واستدلوا: بما رواه الطحاوي بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حمزة فكبر عليه تسع تكبيرات ثم صلى على الشهداء وكل ذلك وهو يصلي على حمزة " يعني في كل واحد من الشهداء يصلي على حمزة ".
قالوا: والحديث حسن.
أما الحديث الثاني وهو ما رواه الطحاوي، فإنه حديث منكر، وقد ضعفه الشافعي وأعله ابن القيم وغيرهم.
فإن المحفوظ عنه في الصحيحين وغيرهما أنه لم يصل على شهداء أحد، ولم يكن هذا ليخفى على جابر وأبوه من شهداء أحد، وكذلك لم يكن ليخفى على أنس وله في أحد شهداء.
أما الحديث المتفق عليه: فإنه يحتمل أن يكون المراد أنه دعا لهم كدعائه للميت، وهذا يكون فيه الجمع بين ترك النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة عليهم أولاً، ويكون فعله الثاني مجرد الدعاء لهم، لكن قال: (كصلاته على الميت) لبيان أن هذا الدعاء مخصوص فهو كالدعاء الذي يقع في الصلاة على الميت.
ثم لو قلنا: أنه صلى عليهم صلاة كالصلاة المعروفة، فإنه ينبغي أن يقال: بكونه خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم، لأنهم لا يقولون بذلك.
فالظاهر ما تقدم أنه دعاء كالدعاء في صلاة الميت، أو أن يكون ذلك خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصلاة على الميت إنما تشرع عند موته، وأما أن يكون ذلك بعد ثمان سنوات فلا.
فالأظهر مذهب الجمهور وأن شهداء المعركة لا يصلى عليهم لترك النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.
ثم لو قلنا بالحديث الذي ذكره الأحناف فيحسن أن يقال بما هو رواية عن الإمام أحمد: أن الصلاة على الشهيد تركها أولى فإن صلى فلا بأس.
قال: (وإن سقط عن دابته أو وجد ميتاً ولا أثر به … غسل وصلي عليه)
تقدم أن شهيد المعركة لا يغسل ولا يصلى عليه، وهنا استثناء فإذا سقط عن دابته بغير فعل من الكفار أو وجد ميتاً ولا أثر به فليس هناك جرح يدل على أن هذا الموت كان بسبب الكفار، فإنه يغسل ويصلى عليه.
- هذا هو مذهب جمهور الفقهاء ومنهم الحنابلة.
قالوا: لأن الأصل هو تغسيل الميت إلا ما ورد استثناؤه وهو شهيد المعركة وهذا لم يكن قتيلاً في المعركة وإنما حدث الموت له أثناء المعركة.
- وقال الشافعية وهو قول القاضي من الحنابلة: أنه له حكم الشهداء – حينئذٍ –؛ فإنه قد مات وهو يقاتل في سبيل الله ولا يبعد أن يكون السبب هو ذات القتال، وإن لم يكن ذلك ظاهراً، فإن ذلك وإن لم يظهر لنا لكن الاحتمال فيه قوي، فمظنة سقوطه وموته أن يكون ذلك من الكفار، ولذا فإنه لا يغسل ولا يصلى عليه.
ولأنه – في الحقيقة – في حكم الشهداء فكان ينبغي أن يلحق بهم، والله أعلم.
* وهنا مسألة قريبة من هذه المسائل: وهي فيمن أصابه سيفه أو أصابته رمية من جهة المسلمين، فكان في ذلك حتفه، فما الحكم؟
- قال الحنابلة في المشهور عندهم وهو مذهب الجمهور: إنه يغسل ويصلى عليه.
- وقال الشافعية، وهو اختيار الموفق والقاضي من الحنابلة: له حكم الشهداء.
واستدلوا:
¥