وفي بعض الروايات عند البخاري عن أبي بكرة مرفوعًا بعد قوله: لا ينكسفان لموت أحد قال: ولكن الله يخوف بهما عباده "، وفي ثبوت هذه الزيادة كلام أشار إليه الإمام البخاري نفسه. (الزيادة المذكورة من رواية حماد بن زيد عن يونس عن الحسن عن أبي بكرة، ولكن عددًا من الرواة الثقات رووا الحديث عن يونس، فلم يذكروها، منهم عبد الوارث وشعبة، وخالد بن عبد الله، وحماد بن سلمة، كما ذكر ذلك البخاري. وكثير من أئمة الحديث يرفض مثل هذه الرواية التي يخالف فيها الراوي من هم أوثق منه أو أكثر عددًا، وتوصف هذه الزيادة حينئذ بالشذوذ، فتخرج عن حد الحديث الصحيح.
وهنا يلتقط المشككون هذه الكلمة وأمثالها " يخوف الله بهما عباده " أو " ادعوا الله وصلوا حتى ينجلي " ليقولوا: مم التخويف؟ ولماذا الدعاء؟ لماذا الصلاة؟ والكسوف أمر طبيعي؟.
نعم هو أمر طبيعي لا يتقدم ولا يتأخر عن موعده ومكانه وزمانه، وفقًا لسنة الله تعالى ولكن الأمور الطبيعية ليست خارجة عن دائرة الإرادة الإلهية. والقدرة الإلهية، فكل ما في الكون يحدث، بمشيئته تعالى وقدرته، ومثل هذا الذي يحدث لهذه الأجرام العظيمة جدير أن ينبه القلوب على عظمة سلطان الله تعالى وشمول إرادته ونفوذ قدرته، وبالغ حكمته، وجميل تدبيره، فتتجه إليه القلوب بالتعظيم، والألسنة بالدعاء، والأكف بالضراعة، والجباه بالسجود.
ولقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أذكار وأدعية شتى ينبغي للمسلم أن يتلوها بلسانه، ويستحضرها بقلبه، عند رؤية ظواهر طبيعية مختلفة، منها:
(أ) عندما يصبح الصباح أو يمسي المساء:
أخرج الترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أصحابه يقول: " إذا أصبح أحدكم فليقل: اللهم بك أصبحنا، وبك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك النشور وإذا أمسى فليقل: اللهم بك أمسينا وبك أصبحنا .. الحديث " وقال الترمذي: حسن صحيح.
وروى مسلم عن ابن مسعود قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال: " أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، رب أسألك خير ما في هذه الليلة، وخير ما بعدها، وأعوذ بك من شر هذه الليلة وشر ما بعدها، رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر، رب أعوذ بك من عذاب في النار، وعذاب في القبر ".
وإذا أصبح قال ذلك أيضًا: " أصبحنا وأصبح الملك لله " الحديث.
) ب) عند هبوب الريح وظهور السحاب:
روى مسلم عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: " اللهم أسألك خيرها وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها، وشر ما فيها وشر ما أرسلت به ".
وعنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ناشئًا (أي سحابة) في أفق السماء ترك العمل، وإن كان في صلاة، ثم يقول:
" اللهم إني أعوذ بك من شرها ". فإن مطر قال: " اللهم صيبًا هنيئًا " رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة وأبو عوانة في صحيحه بإسناد صحيح على شرط مسلم، كما في تخريج الكلم الطيب للألباني.
) ج) عند رؤية الهلال:
عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال:
" الله أكبر، اللهم أهلّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام والتوفيق لما تحب وترضى، ربنا وربك الله " أخرجه الدارمي وأخرجه الترمذي أخصر منه من حديث طلحة، وحسنه وصححه ابن حبان، وهو صحيح بشواهده، كما قال الألباني.
وهناك أدعية وأذكار أخرى كثيرة تقال في مناسبات شتى: عند النوم، وعند اليقظة، وعند الأكل والشرب، وعند الشبع والري، وعند لبس الثوب، وركوب الدابة، وعند السفر والعودة منه، وغير ذلك مما ألفت فيه كتب كاملة. (مثل " عمل اليوم والليلة " للنسائي، وابن السني، و" الأذكار "، " للنووي " و" الكلم الطيب " لابن تيمية، و" الوابل الصيب " لابن القيم، و" تحفة الذاكرين " للشوكاني وغيرها).
والمقصود بهذه الأذكار والأدعية أن يكون الإنسان موصول القلب بالله دائمًا وأن يقابل كل حدث جديد، بقلب متفتح، وإحساس مرهف، وشعور حي يقظ، حتى الأحداث التي تتكرر كل يوم كالإصباح والإمساء، بل تتجدد في اليوم أكثر من مرة كالأكل والشرب.
فالمؤمن يرى الأشياء والحوادث بعين غير أعين الناس.
¥