تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وحاصله أن الخوارج الطائفة المشهورة المبتدعة كانوا ينكرون الشفاعة، وكان الصحابة ينكرون إنكارهم ويحدثون بما سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فأخرج البيهقي في البعث من طريق شبيب بن أبي فضالة: ذكروا عند عمران بن حصين الشفاعة فقال رجل: إنكم لتحدثونا بأحاديث لا نجد لها في القرآن أصلا، فغضب وذكر له ما معناه: أن الحديث يفسر القرآن. وأخرج سعيد بن منصور بسند صحيح عن أنس قال: من كذب بالشفاعة فلا نصيب له فيها. وأخرج البيهقي في البعث من طريق يوسف بن مهران عن ابن عباس: خطب عمر فقال: إنه سيكون في هذه الأمة قوم يكذبون بالرجم، ويكذبون بالدجال، ويكذبون بعذاب القبر، ويكذبون بالشفاعة، ويكذبون بقوم يخرجون من النار. ومن طريق أبي هلال عن قتادة قال قال أنس: يخرج قوم من النار، ولا نكذب بها كما يكذب بها أهل حروراء. يعني الخوارج. ()

قال ابن بطال: سلم بعض المعتزلة وقوع الشفاعة لكن خصها بصاحب الكبيرة الذي تاب منها وبصاحب الصغيرة الذي مات مصرا عليها، وتعقب بأن من قاعدتهم أن التائب من الذنب لا يعذب، وأن اجتناب الكبائر يكفر الصغائر، فيلزم قائله أن يخالف أصله. وأجيب بأنه لا مغايرة بين القولين، إذ لا مانع من أن حصول ذلك للفريقين إنما حصل بالشفاعة، لكن يحتاج من قصرها على ذلك إلى دليل التخصيص، وقد تقدم في أول الدعوات الإشارة إلى حديث " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " ولم يخص بذلك من تاب، وقال عياض: أثبتت المعتزلة الشفاعة العامة في الإراحة من كرب الموقف وهي الخاصة بنبينا والشفاعة في رفع الدرجات وأنكرت ما عداهما. قلت: وفي تسليم المعتزلة الثانية نظر. قال النووي تبعا لعياض: الشفاعة خمس في الإراحة من هول الموقف وفي إدخال قوم الجنة بغير حساب، وفي إدخال قوم حوسبوا فاستحقوا العذاب أن لا يعذبوا، وفي إخراج من أدخل النار من العصاة. وفي رفع الدرجات. ودليل الأولى سيأتي التنبيه عليه في شرح الحديث السابع عشر. ودليل الثانية قوله تعالى في جواب قوله صلى الله عليه وسلم " أمتي أمتي: أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليهم " كذا قيل، ويظهر لي أن دليله سؤاله صلى الله عليه وسلم الزيادة على السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب فأجيب، وقد قدمت بيانه في شرح الحديث المذكور في الباب الذي قبله. ودليل الثالثة قوله في حديث حذيفة عند مسلم " ونبيكم على الصراط يقول: رب سلم " وله شواهد سأذكرها في شرح الحديث السابع عشر. ودليل الرابعة ذكرته فيه أيضا مبسوطا. ودليل الخامسة قوله في حديث أنس عند مسلم " أنا أول شفيع في الجنة " كذا قاله بعض من لقيناه وقال: وجه الدلالة منه أنه جعل الجنة ظرفا لشفاعته. قلت: وفيه نظر، لأني سأبين أنها ظرف في شفاعته الأولى المختصة به، والذي يطلب هنا أن يشفع لمن لم يبلغ عمله درجة عالية أن يبلغها بشفاعته. وأشار النووي في " الروضة " إلى أن هذه الشفاعة من خصائصه مع أنه لم يذكر مستندها، وأشار عياض إلى استدراك شفاعة سادسة وهي التخفيف عن أبي طالب في العذاب كما سيأتي بيانه في شرح ا9لحديث الرابع عشر، وزاد بعضهم شفاعة سابعة وهي الشفاعة لأهل المدينة لحديث سعد رفعه " لا يثبت على ولأوائها أحد إلا كنت له شهيدا أو شفيعا " أخرجه مسلم، ولحديث أبي هريرة رفعه " من استطاع أن يموت بالمدينة فليفعل، فإني أشفع لمن مات بها " أخرجه الترمذي قلت: وهذه غير واردة لأن متعلقها لا يخرج عن واحدة من الخمس الأول، ولو عد مثل ذلك لعد حديث عبد الملك بن عباد " سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أول من أشفع له أهل المدينة ثم أهل مكة ثم أهل الطائف " أخرجه البزار والطبراني، وأخرج الطبراني من حديث ابن عمر رفعه " أول من أشفع له أهل بيتي ثم الأقرب فالأقرب ثم سائر العرب ثم الأعاجم " وذكر القزويني في العروة الوثقى شفاعته لجماعة من الصلحاء في التجاوز عن تقصيرهم ولم يذكر مستندها، ويظهر لي أنها تندرج في الخامسة، وزاد القرطبي أنه أول شافع في دخول أمته الجنة قبل الناس، وهذه أفردها النقاش بالذكر وهي واردة ودليلها يأتي في حديث الشفاعة الطويل، وزاد النقاش أيضا شفاعته في أهل الكبائر من أمته وليست واردة لأنها تدخل في الثالثة أو الرابعة، وظهر لي بالتتبع شفاعة أخرى وهي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير