قال الحافظ: وظهر لي بالتتبع شفاعة أخرى وهي الشفاعة فيمن استوت حسناته وسيئاته أن يدخل الجنة، ومستندها ما أخرجه الطبراني عن ابن عباس قال: السابق يدخل الجنة بغير حساب، والمقتصد يرحمه الله، والظالم لنفسه وأصحاب الأعراف يدخلونها بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم. وقد تقدم قريبا أن أرجح الأقوال في أصحاب الأعراف أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، وشفاعة أخرى وهي شفاعته فيمن قال لا إله إلا الله ولم يعمل خيرا قط، ومستندها رواية الحسن عن أنس كما سيأتي بيانه في شرح الباب الذي يليه.
ثم قال فى قوله تعالى: "ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له"
أنواع أثبتها أهل السنة منها الخلاص من هول الموقف وهي خاصة بمحمد رسول الله المصطفى صلى الله عليه وسلم كما تقدم بيان ذلك واضحا في الرقاق، وهذه لا ينكرها أحد من فرق الأمة، ومنها الشفاعة في قوم يدخلون الجنة بغير حساب، وخص هذه المعتزلة بمن لا تبعة عليه ومنها الشفاعة في رفع الدرجات، ولا خلاف في وقوعها، ومنها الشفاعة في إخراج قوم من النار عصاة أدخلوها بذنوبهم وهذه التي أنكروها، وقد ثبتت بها الأخبار الكثيرة، وأطبق أهل السنة على قبولها وبالله التوفيق. ()
المعتزلة وإنكارهم للشفاعة:
المعتزلة قبلوا الشفاعة العظمى والشفاعة فى رفع الدرجات واشترطوا فى الشفاعة لقوم يدخلون الجنة بغير حساب ان تكون خاصة بمن لا تبعة عليهم.
وردوا الشفاعة لأهل الكبائر مستندين إلى قوله تعالى: "فما تنفعهم شفاعة الشافعين".
لكن قال ابن بطال: سلم المعتزلة هذه فيمن تاب عن الكبيرة.
وكذلك: ردوا الشفاعة فى إخراج قوم من النار عصاة أدخلوها بذنوبهم ,
قال الحافظ: وهذه التي أنكروها، وقد ثبتت بها الأخبار الكثيرة، وأطبق أهل السنة على قبولها وبالله التوفيق.
أقول: لأن المعاصى موجبة للخلود عندهم.
قال الحافظ: فى شرح قوله تعالى:" فهو في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا " وقد تمسك به المعتزلة وغيرهم ممن قال بتخليد أصحاب المعاصي في النار. ()
قال ابن بطال: أنكرت المعتزلة والخوارج الشفاعة في إخراج من أدخل النار من المذنبين وتمسكوا بقوله تعالى (فما تنفعهم شفاعة الشافعين). وغير ذلك من الآيات. وأجاب أهل السنة بأنها في الكفار، وجاءت الأحاديث في إثبات الشفاعة المحمدية متواترة ودل عليها قوله تعالى (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) والجمهور على أن المراد به الشفاعة. ()
قال ابن بطال: سلم بعض المعتزلة وقوع الشفاعة لكن خصها بصاحب الكبيرة الذي تاب منها وبصاحب الصغيرة الذي مات مصرا عليها، وتعقب بأن من قاعدتهم أن التائب من الذنب لا يعذب، وأن اجتناب الكبائر يكفر الصغائر، فيلزم قائله أن يخالف أصله. وأجيب بأنه لا مغايرة بين القولين، إذ لا مانع من أن حصول ذلك للفريقين إنما حصل بالشفاعة، لكن يحتاج من قصرها على ذلك إلى دليل التخصيص، وقد تقدم في أول الدعوات الإشارة إلى حديث " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " ولم يخص بذلك من تاب.
وقال عياض: أثبتت المعتزلة الشفاعة العامة في الإراحة من كرب الموقف وهي الخاصة بنبينا والشفاعة في رفع الدرجات وأنكرت ما عداهما.
قلت (الحافظ): وفي تسليم المعتزلة الثانية نظر. ()
أقول: وما ظهر لي هذا "النظر" وما تكلم عليه الحافظ فى الفتح.
وقد أخر ج الإمام البخاري بعض أحاديث الشفاعة فى كتاب الرقاق فى باب صفة الجنة والنار ,
منها:
عن جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يخرج من النار بالشفاعة كأنهم الثعارير). قلت وما الثعارير؟ قال الضغابيس وكان قد سقط فمه فقلت لعمرو بن دينار يا أبا محمد سمعت جابر بن عبد الله يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول (يخرج بالشفاعة من النار). ()
ومنها: حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يخرج قوم من النار بشفاعة محمد - صلى الله عليه وسلم - فيدخلون الجنة يسمون الحهنميين. ()
قال الحافظ:
¥