وجَميعُ ما تقدَّمَ مِن أَقسامِ المَقبولِ تَحْصُلُ فائدةُ تقسيمِهِ باعتبارِ مَراتِبِهِ عندَ المُعارضةِ، واللهُ أَعلمُ. ([10] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=605953#_ftn10))
ثمَّ المَقبولُ ([11] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=605953#_ftn11)) ينقسِمُ [أَيضاً] إلى مَعمولٍ بهِ وغيرِ مَعْمولٍ بهِ؛ لأنَّهُ إِنْ سَلِمَ مِنَ المُعارَضَةِ؛ أَي:لم يَأْتِ خبرٌ يُضادُّهُ، فهُوَ المُحْكَمُ، وأَمثلتُه كثيرةٌ.
وإِنْ عُورِضَ؛ فلا يَخْلو إِمَّا أَنْ يكونَ مُعارِضُةُ مقبولاً مثلَه، أَو يكونَ مَردوداً، فالثَّاني لا أَثرَ [لهُ]؛ لأنَّ القويَّ لا تُؤثِّرُ فيهِ مُخالفةُ الضَّعيفِ.
وإِنْ كانتِ المُعارضةُ بِمِثْلِهِ فلا يخلو إِمَّا أَنْ يُمْكِنَ الجَمْعُ [بين] مدلولَيْهِما بغيرِ تَعَسُّفٍ أَوْ لاَ:
فإِنْ أَمْكَنَ الجَمْعُ؛ فهو النَّوعُ المُسمَّى مُخْتَلِفَ الحَديثِ، [و] مثَّلَ لهُ ابنُ الصَّلاحِ بحديثِ: ((لا عَدْوى ولا طِيَرَةَ، [ولا هامَّةَ، ولا صَفَر، ولا غُول])) مع حديث: ((فِرَّ مِنَ المَجذومِ فِرارَكَ مِن الأسَدِ)).
وكلاهُما في الصَّحيحِ، وظاهِرُهما التَّعارُضُ !
ووجْهُ الجمعِ بينَهُما أَنَّ هذهِ الأمراضَ لا تُعْدي بطبْعِها، لكنَّ الله [سبحانَه و] تعالى جَعَلَ مُخالطةَ المريضِ بها للصَّحيحِ سبباً لإعدائِهِ مَرَضَه.
ثمَّ قد يتخلَّفُ ذلك عن سبَبِه كما في غيرِهِ من الأسبابِ، كذا جَمَعَ بينَهما ابنُ الصَّلاحِ تَبعاً لغيرِه!
والأَوْلى في الجَمْعِ بينَهُما أَنْ يُقالَ: إِنَّ نَفْيَهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ للعَْدوى باقٍ على عُمومِهِ، وقد صحَّ قوله صلَّى اللهُ عليهِ [وآلهِ] وسلَّمَ: ((لا يُعْدِى شيءٌ شيئاً))، وقولُه صلَّى اللهُ عليهِ [وآلهِ] وسلَّمَ لِمَن عارَضَهُ: بأَنَّ البَعيرَ الأجْرَبَ يكونُ في الإِبلِ الصَّحيحةِ، فيُخالِطُها، فتَجْرَبُ، حيثُ ردَّ عليهِ بقولِه: ((فمَنْ أَعْدى الأوَّلَ؟))؛ يعني: أَنَّ الله [سبحانَه و] تعالى ابتَدَأَ ذلك في الثَّاني كما ((في)) ابْتَدَأَفي الأوَّلِ.
وأَمَّا الأمرُ بالفِرارِ مِن المَجْذومِ فمِن بابِ سدِّ الذَّرائعِ؛ لئلاَّ يَتَّفِقَ للشَّخْصِ الذي يخُالِطُه شيءٌ مِن ذلك بتقديرِ اللهِ ((سبحانه و)) تعالى ابتداءً لا بالعَدْوى المَنْفِيَّة، فيَظُنَّأَنَّ ذلك بسببِ مُخالطتِه فيعتقدَ صِحَّةَ العَدْوى، فيقعَ في الحَرَجِ، فأَمَرَ بتجنُّبِه حسْماً للمادَّةِ، [والله أعلم]
وقد صنَّفَ في هذا النَّوعِ [الإِمامُ] الشافعيُّ كتابَ ((اختِلافِ الحديثِ))، لكنَّهُ لم يَقْصِدِ استيعابَه.
و [قد] صنَّفَ فيهِ بعدَهُ ابنُ قُتيبةَ والطَّحاويُّ وغيرُهما.
وإِنْ لم يُمْكِنِ الجمعُ؛ فلا يخْلو إِمَّا أَنْ يُعْرَفَ التَّاريخُ أوْ لاَ:
فإِنْ عُرِفَ وَثَبَتَ المُتَأَخِّرُ [بهِ]، أَو بأَصرحَ منهُ؛ فهو النَّاسِخُ، والآخَرُ المَنْسُوخُ.
والنَّسْخُ: رفْعُ تعلُّقِ حُكمٍ شرعيٍّ بدليلٍ شرعيٍّ متأَخِّرٍ عنهُ.
والنَّاسخُ: ما يدلُّ [على] الرَّفعِ المذكورِ.
وتسميتُهُ ناسِخاً مجازٌ؛ لأنَّ النَّاسخَ في الحقيقةِ هو اللهُ تعالى.
ويُعْرَفُ النَّسخُ بأُمورٍ:
أَصرحُها: ما ورَدَ في النَّصِّ كحديثِ بُريدَةَ في ((صحيحِ مسلمٍ)): ((كُنْتُ نَهَيْتُكُم عن زِيارةِ القُبورِ ((ألا)) فزُوروها؛ فإِنَّها تُذَكِّرُ الآخِرَةَ))
ومِنها ما يجزِمُ الصَّحابيّ ُبأَنَّه متأَخِّرٌ كقولِ جابرٍ: ((كانَ آخِرَ الأَمْرَيْنِ مِن رسولِ الله صلَّى اللهُ عليهِ [وآلهِ] وسلَّمَ تَرْكُ الوُضوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)) أَخرَجَهُ أَصحابُ السُّننِ. ([12] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=605953#_ftn12))
ومِنْها ما يُعْرَفُ بالتَّاريخِ، [وهُو كَثيرٌ]
وليسَ مِنْها مَا يَرويهِ الصَّحابيُّ المُتأَخِّرُ الإِسلامِ مُعارِضاً للمُتَقَدِّمِ عليهِ؛ لاحْتمالِ أَنْ يكونَ سَمِعَهُ مِن صَحابيٍّ آخَرَ أَقدمَ مِنَ المُتَقَدِّمِ [المذكورِ] أو مثلِهِ فأَرْسَلَهُ.
¥