واشْتِقاقُهُ مِن الدَّلَسِ – بالتَّحريكِ – وهو اختلاطُ الظَّلامِ [بالنُّورِ]، سُمِّيَ بذلك لاشتراكِهِما [في الخَفاءِ.
ويَرِدُ المُدَلَّسُ بِصيغَةٍ مِن صيغِ الأداءِ تَحْتَمِلُ وقوعَ اللُّقِيَّ بينَ المُدَلِّسِ ومَن أَسنَدَ عنهُ كَعَن وَكذا قَاَلَ.
ومتى وقَعَ بصيغةٍ صريحةٍ لا تَجَوُّزَ فيها؛ كانَ كذِباً.
وحُكْمُ مَن ثبتَ عنهُ التَّدليسُ إِذا كانَ عَدْلاً أَنْ لا يُقْبَلَ منهُ إِلاَّ ما صرَّحَ فيهِ بالتَّحديثِ على الأصحِّ ([2] ( http://www.alukah.net/majles//newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=23754#_ftn2)).
وكَذا المُرْسَلُ الخَفِيُّ إِذا صَدَرَ مِنْ مُعاصِرٍ لَمْ يَلْقَ مَن حَدَّثَ عنهُ، بل بينَه وبينَه واسِطةٌ.
والفَرْقُ بينَ المُدَلَّسِ والمُرْسَلِ الخفيِّ دقيقٌ حَصَلَ تحريرُه بما ذُكِرَ هنا:
وهو أَنَّ التَّدليسَ يختصُّ بمَن روى عمَّن عُرِفَ لقاؤهُ إِيَّاهُ، فأَمَّا إِن عاصَرَهُ ولم يُعْرَفْ أَنَّه لقِيَهُ؛ فَهُو المُرْسَلُ الخَفِيُّ.
ومَن أَدْخَلَ في تعريفِ التَّدليسِ المُعاصَرَةَ، ولو بغيرِ لُقي؛ لزِمَهُ دُخولُ المُرْسَلِ الخَفِيِّ في تعريفِهِ.
والصَّوابُ التَّفرقةُ بينَهُما.
ويدلُّ على أَنَّ اعتبارَ اللُّقي في التَّدليسِ دونَ المُعاصرةِ وحْدَها لابُدَّ منهُ إِطْباقُ أَهلِ العلمِ بالحديثِ على أَنَّ روايةَ المُخَضْرَمينَ كأَبي عُثمانَ النَّهْديِّ وقيسِ بنِ أَبي حازِمٍ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ [وآلهِ] وسلَّمَ مِن قبيلِ الإِرسالِ لا مِن قَبيلِ التَّدليسِ.
ولو كانَ مجرَّدُ المُعاصرةِ يُكْتَفى [بهِ] في التَّدليسِ؛ لكانَ هؤلاءِ مُدلِّسينَ لأنَّهْم عاصَروا النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ [وآلهِ وسلَّمَ قطعاً، ولكنْ لمْ يُعْرَفْ هل لَقُوهُ أَمْ لا؟
وممَّن [قالَ] باشْتِراطِ اللِّقاءِ في التَّدليسِ الإِمامُ الشافعيُّ وأَبو بكرٍ البزَّارُ، وكلامُ الخطيبِ في ((الكِفايةِ)) يقتَضيهِ، وهُو المُعْتَمَدُ. ([3] ( http://www.alukah.net/majles//newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=23754#_ftn3))
ويُعْرَفُ عدمُ المُلاقاةِ بإِخبارِهِ عنْ نفسِهِ بذلك، أَو بجَزْمِ إِمامٍ مُطَّلعٍ.
ولا يَكْفي أَنْ يَقَعَ في بعض الطُّرُقِ زيادةُُ راوٍ [أَو أَكثرَ] بينَهُما؛ لاحتمال أَنْ يكونَ مِن المزيدِ، ولا يُحْكَمُ في هذه الصُّورةِ بحُكْمٍ كُلِّيٍّ؛ لتَعارُضِ احتمالِ الاتِّصالِ والانْقِطاعِ.
وقد صنَّفَ فيهِ الخَطيبُ كتابَ ((التَّفصيلِ لمُبْهَمِ المراسيلِ))، وكتاب ((المزيدِ في مُتَّصِلِ الأسانيدِ)) ([4] ( http://www.alukah.net/majles//newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=23754#_ftn4)) .
و [قد] انْتَهَتْ هُنا ((حكم)) أَقسامُ حُكمِ السَّاقِطِ مِن الإِسنادِ.
ثمَّ الطَّعْنُ يكونُ بعشرةِ أَشياءَ، بعضُها ((يكون)) أَشدُّ في القَدْحِ مِن بعضٍ، خمسةٌ منها تتعلَّقُ بالعدالَةِ، ([5] ( http://www.alukah.net/majles//newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=23754#_ftn5)) وخمسةٌ تتعلَّقُ بالضَّبْطِ.
ولم يَحْصُلِ الاعتناءُ بتمييزِ أَحدِ القِسمينِ مِن الآخَرِ لمصلحةٍ اقْتَضَتْ ذلك، وهي ترتيبُها على الأشدِّ فالأشدِّ في موجَبِ الرَّدَِّ على سَبيلِ التَّدلِّي؛ لأنَّ الطَّعْنَ إِمَّا أَنْ يكونَ:
لِكَذِبِ الرَّاوِي في الحديثِ النبويِّ بأَنْ يرويَ عنهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ما لمْ يَقُلْهُ متَعمِّداً لذلك. ([6] ( http://www.alukah.net/majles//newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=23754#_ftn6))
أو تُهْمَتِهِ بذلكَ؛ بأَنْ لا يُرْوى ذلك الحديثُ إِلاَّ مِن جِهتِهِ، ويكونَ مُخالِفاً للقواعِدِ المعلومةِ، وكذا مَنْ عُرِفَ بالكذبِ في كلامِهِ، و [إِنْ] لم يَظْهَرْ منهُ وقوعُ ذلك في الحَديثِ النبويِّ، وهذا دُونَ الأوَّلِ.
أَو فُحْشِ غَلَطِهِ؛ أي: كَثْرَتِه.
أَو غَفْلَتِهِ عن الإِتْقانِ.
أَو فِسْقِهِ؛ أي: بالفعلِ والقَوْلِ ممَّا لا يبلُغُ الكُفْرَ.
[و] بينَهُ وبينَ الأوَّلِ عُمومٌ ((وخصوص مطلق))، وإِنَّما أُفْرِدَ الأوَّلُ لكونِ القَدْحِ بهِ أَشدَّ في هذا الفنِّ.
وأَمَّا الفِسقُ بالمُعْتَقَدِ؛ فسيأْتي بيانُه.
¥