ـ[علي بن حسين فقيهي]ــــــــ[09 - 07 - 07, 07:38 م]ـ
وَمن المهمِّ أَيضاً معرِفةُ مراتِبِ التَّعديلِ. ([1])
وأَرْفَعُها: الوَصْفُ [أَيضاً] بما دلَّ على المُبالغةِ فيهِ.
وأَصْرَحُ ذلك: التَّعبيرُ بأَفْعَلَ؛ كـ: أَوْثَقِ النَّاسِ، أَو: أَثبَتِ النَّاس، أَو: إِليهِ المُنْتَهى في التَّثَبُّتِ.
ثمَّ ما تَأَكَّدَ بِصِفَةٍ مِن الصِّفاتِ الدَّالَّةِ على التَّعديلِ، أَو صِفَتَيْنِ؛ كـ: ثقةٌ ثقةٌ، أو: ثبتٌ ثبتٌ، أَوْ: ثقةٌ حافظٌ، أَو: عدلٌ ضابِطٌ، أو نحوُ ذلك.
وأَدْناها: ما أَشْعَرَ بالقُرْبِ مِنْ أَسْهَلِ التَّجْرِيحِ؛ كـ: شيخٌ، و: يُرْوى حديثُه، و: يُعْتَبَرُ بهِ، ونحوُ ذلك.
وبينَ ذلك مراتِبُ لا تَخْفى
وَهذهِ أَحكامٌ تتعلَّقُ بذلك، ذكَرْتُها هُنا لتَكْمِلَةِ الفائدةِ، فأَقولُ:
تُقْبَلُ التَّزكِيَةُ مِنْ عَارِفٍ بأَسْبَابِها لا مِنْ غيرِ عارِفٍ ((بأسبابها)) [لئلاَّ] يُزكِّيَ بمجرَّدِ ما يظهَرُ [لهُ] ابْتِداءً مِن غيرِ ممارسةٍ واخْتِبارٍ.
ولَوْ كانتِ التَّزكيةُ صادِرةً مِن مُزَكٍّ واحِدٍ عَلى الأصَحِّ؛ خلافاً لمَن شَرَطَ أَنَّها لا تُقْبَلُ إِلاَّ مِنَ اثْنَيْنِ؛ إِلْحاقاً لها بالشَّهادَةِ في الأصحِّ أَيضاً! ([2])
والفَرْقُ بينَهُما أَنَّ التَّزكية تُنَزَّلُ منزِلَةَ الحُكْمِ، فلا يُشْتَرَطُ فيها العددُ، و ((تزكية)) [الشَّهادةُ تقعُ مِن] الشَّاهِدِ ((تقع)) عندَ الحاكِمِ، فافْتَرقا. ([3])
ولَوْ قيلَ: يُفَصَّلُ بينَ ما إِذا كانتِ التَّزكيةُ في الرَّاوي مُستَنِدَةً مِن المُزكِّي إِلى اجْتِهادِهِ، أَو إِلى النَّقْلِ عنْ غيرِه؛ لكانَ مُتَّجهاً.
لأنَّه إِنْ كانَ الأوَّلُ، فلا يُشْتَرَطُ ((فيه)) العددُ أَصلاً؛ [لأنَّهُ حينئذٍ] يكونُ بمنزلةِ الحاكمِ.
وإِنْ كانَ الثَانيَ؛ فيُجْرى فيهِ الخِلافُ، ويَتَبَيَّنُ أَنَّه – أَيضاً –لا يُشْتَرَطُ العددُ ((أصلاً)) ((أيضاً))؛ لأنَّ أَصلَ النَّقلِ لا يُشْتَرَطُ فيهِ العددُ، فكَذا ما تفرَّعَ عنهُ، واللهُ أَعلمُ. ([4])
([1]) فجر الأحد 9/ 10 / 1417 هـ
([2]) تقبل التزكية من عالم عارف بأسبابها ولو من واحد إذا كان عارفاً بأسبابها من أهل العلم والثقة والأمانة. وكلما تعدد المزكون صارت الثقة أكثر.
([3]) والمقصود أن التزكية للأفراد تجري مجرى الحكم والإخبار كالمؤذن من باب الخبر والحكم بخلاف الشهادة فإنها تتضمن الشهادة بحق لفلان أو عدم حق لفلان تؤدى عند القضاة حتى يثبت بها حق المدعي أو عدم حقه. فلا بد فيها من شاهدين أو شاهد يؤكد باليمين كما جاءت به السنة لأنها ليست من باب الخبر المجرد بل من باب الخبر الذي يتضمن إعطاء شخص حقاً من شخص آخر فلهذا جاءت الشريعة بالتعدد فيها لأن الأصل براءة الذمة من حقوق الناس وأن ما في يد الإنسان هو له فاحتيط من جهة الشريعة فلم ينزع ما في يده ولم يلزم بشيء في ذمته إلا بحجة قوية أقلها شاهدان.
([4]) وهذا هو الصواب سواء كان عن اجتهاده أو عن النقل عن اجتهاده الذي يعرفه أو عن النقل عن الثقات فتقبل التزكية ولو عن واحد ولكن إذا كانت من اثنين فأكثر كانت أطمأن لقلب المزكي وأثبت له وإلا فالواحد يكفي مثل قول ابن أبي حاتم حدثني أنه كذا وكذا، وسألت أحمد فقال كذا وكذا فهي تزكية ينقلها فلا بأس.
ـ[علي بن حسين فقيهي]ــــــــ[09 - 07 - 07, 07:41 م]ـ
و [كذا] يَنْبَغي أَنْ لا يُقْبَلَ الجَرْحُ والتَّعْديلُ إِلاَّ مِن عدلٍ مُتَيَقِّظٍ ([1])، فلا [يُقْبَلُ] جَرْحُ مَنْ أَفْرَطَ فيهِ مُجَرِّحٌ بما لا يقْتَضي رَدَّ حديثِ المُحَدِّثِ ([2]).
كما [لا] يُقْبَلُ تزكِيَةُ مَن أَخَذَ بمجرَّدِ الظَّاهِرِ، فأَطلَقَ التَّزكيةَ. ([3])
وقالَ الذَّهبيُّ – وهُو مِن أَهْلِ الاستِقراءِ التَّامِّ في نَقْدِ الرِّجالِ – ((لمْ يجْتَمِعِ اثْنانِ مِن عُلماءِ هذا الشَّأنِ قطُّ على تَوثيقِ ضَعيفٍ، ولا [على] تَضعيفِ ثِقةٍ)) ([4])
ولهذا كانَ [مذهَبُ] النَّسائيِّ أَنْ لا يُتْرَكَ حديثُ الرَّجُلِ حتَّى يجتَمِعَ الجَميعُ على تَرْكِهِ ([5]).
ولْيَحْذَرِ المتكلِّمُ في هذا الفنِّ مِن التَّساهُلِ في الجَرْحِ والتَّعديلِ، فإِنَّهُ إِنْ عدَّلَ [أَحداً] بغيرِ تثبُّتِ كانَ كالمُثْبِتِ حُكْماً ليسَ بثابتٍ، فيُخْشى عليهِ أَنْ يدْخُلَ في زُمرةِ ((مَن روى حَديثاً وهُو يظنُّ أَنَّهُ كَذِبٌ)). ([6])
وإِنْ جَرَّحَ بغيرِ تَحرُّزٍ، [فإِنَّه] أَقْدَمَ على الطَّعنِ في مُسلمٍ بَريءٍ مِن ذلك، ووسَمَهُ بِميْسَمِ سُوءٍ يَبْقى عليهِ عارُهُ أَبداً.
والآفةُ تدخُلُ في هذا: تارةً مِنَ الهَوى والغَرَضِ الفاسِدِ– وكلامُ المتقدِّمينَ سالِمٌ مِن هذا غالباً –، وتارةً مِن المُخالفةِ في العَقائدِ – وهُو موجودٌ كثيراً؛ قديماً وحَديثاً –، ولا ينْبَغي إِطلاقُ الجَرْحِ بذلك، فقد قدَّمْنا تحقيقَ الحالِ في العملِ بروايةِ المُبتَدِعةِ
([1]) فجر الأحد 16/ 10 / 1417 هـ
([2]) لا بد في الجرح من عارف بأسبابه وأن يكون جرحاً مفسراً، وإلا فيقدم قول من وثق.
([3]) وكذا لا تقبل التزكية من المتساهلين المتسامحين لا بد من عارف بالأسباب متثبت.
([4]) وهذا من الاستقراء و الذهبي وهو إمام له كتاب الميزان فلم يجتمع اثنان على توثيق ضعيف أو تضعيف ثقة بل إذا سبرت أقوالهم تجدها موثقة في تضعيف الضعفاء وتوثيق الثقات.
([5]) وهذا مذهب فيه نظر ولهذا وقع في بعض الأحاديث في السنن بعض التساهل ولكن الصواب أنه متى جرح جرحاً بيناً عارفاً بأسبابه قدم على التعديل من باب الاحتياط والتوثق للدين.
([6]) فلا بد من التثبت في الجرح والتعديل والنصيحة لله والتجرد من الهوى.
¥