وقال أيضاً في الإنصاف 60 (لكن يبعد أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم يفعله ولا ينقل، في الوقت الذي نقل فيه فعل بعض الصحابة رضوان الله عليهم).
فقد صرّح هنا أنه لو فعله الرسول صلى الله عليه وسلم لنقل.
ثم إنه قال في الإنصاف ص 8 (وقد وقفت على أن الأخذ من اللحية في النسك هو مذهب الصحابة) وقال في التعزيز 45 (وفي نقل جماعة من السلف عن الصحابة أنهم كانوا يأخذون من لحاهم في النسك) وقال في الإنصاف 11 (وإن كانت معظم النصوص في جواز ذلك في النسك).
فقد صرّح هنا أن فعل الصحابة إنما هو في النسك خاصة.
وفي أدلته – وقد سبق عرضها- تجدها صريحة في هذا:
فحديث ابن عمر (وكان إذا حج أو اعتمر).
وحديث جابر (كنا نعفي سبالنا إلا في حج أو عمرة).
وحديث عطاء (كانوا يحبون أن يعفوا لحاهم إلا في حج أو عمرة).
ولو أراد أحد أن يرد على الاستدلال بهذه الأدلة ما وجد أبلغ من قول الشيخ دبيان السابق:
(اللحية لا تعلق بها بالنسك، وإنما النسك في شعر الرأس خاصة، وقد بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم النسك من قوله، ومن فعله، وقال: خذوا عني مناسككم، ولم ينقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم في بيان النسك أن اللحية لها تعلق خاص بالنسك).
فما باله صرّح بأنه لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ثم خالفه؟.
وما باله صرّح بأن أخذ الصحابة كان في النسك ثم خالفهم؟.
كذلك قال في التعزيز ص42، وفي الإنصاف في مواضع منه كما في ص11: إن ثبوته في النسك يدل على ثبوته في غير النسك، والنسك غير مؤثر.
وقال في الإنصاف إنه يجوز الأخذ من اللحية في النسك وفي غير النسك، ولكن يكون في النسك عبادة، وفي غير النسك عادة.
فلِم فرقت هنا بين كونه في النسك وكونه في غير النسك مادام تقييده بالنسك غير مؤثر؟.
ولِم جعلت كون الأخذ من اللحية في النسك عبادة، والأصل في العبادات الوقف، وقد صرّحت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، ولم ينقل عنه شئ في هذا الباب؟.
المظهر التاسع:
اضطرابه في أمر أبي الزبير:
ذكر الشيخ حديث أبي الزبير عن جابر –الذي في مسلم- (وجنبوه السواد) ص 95 من الإنصاف، وحكم بعدم صحة هذه الكلمة، مع أنه قد رواها عن أبي الزبير ابن جريج وأيوب، وذلك لأنه سئل عنها فأنكرها، ومن المعروف عند المحدثين (باب من حدث فنسي)، خصوصاً إذا كان من الذين أثبتوها عنه أيوب وكفى به، ولكنه جعل علة هذا من أبي الزبير، وقال عنه: (إنه ليس بالمتقن) كما في ص100!!!.
بينما حسّن الحديث الذي رواه أبو الزبير نفسه عن جابر (كنا نعفي السبال إلا في حج أو عمرة) مع عدم تصريحه بالتحديث في الإسناد، وعدم إخراجه في الصحيحين، ولا في أحدهما، ومع تبويب أبي داود المخالف لمذهبه، ومع ذكرهم للحديث من منكرات عبد الملك بن أبي سليمان!!. كما سبق في ص14.
فمن أي أبواب الإنصاف:
أن يكون الحديث الذي شهد به أيوب وابن جريج على أبي الزبير، وخرجه مسلم في صحيحه، حديثاً ضعيفاً بسبب أبي الزبير، ويعله بعدم إتقانه، والحديث الذي هو من منكرات عبد الملك بن أبي سليمان، ومن مدلسات أبي الزبير، يكون حسناً.؟.
فهل أبو الزبير إذا وافق مذهبه في الأخذ من اللحية كان متقناً، وتدليسه مقبولاً، فلما خالف مذهبه في الخضاب بالسواد كان ليس بالمتقن؟.
المظهر العاشر:
تعليله لحديث لم يقف على علته:
الشيخ دبيان ذكر ص 116 حديث عبد الكريم عن ابن جبير عن ابن عباس مرفوعاً: (يكون قوم في آخر الزمان يخضبون بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة)، ثم قال عنه: (رجاله ثقات إلا أنه اختلف في وقفه ورفعه).
والإسناد صحيح لا غبار عليه، ولم يذكر صحته، بل قال:رجاله ثقات، ثم إنه قال: اختلف في وقفه ورفعه، ولم يذكر هذا الاختلاف، بل نقل كلام ابن حجر في الفتح وفيه: إنه اختلف في رفعه ووقفه، ثم عقّب عليه بقوله: ولم أقف على الاختلاف في الحديث من مخرج واحد.
وعهدنا بالمصنف أنه لا يقلد أحداً في التصحيح والتعليل كما سبق، وعرفنا من تصرفه أنه يجعل حكمه الذي انتهى إليه في المتن بين معقوفتين.
والسؤال: لماذا ذكر في المتن في حكمه على الحديث علة للحديث، وهي: أنه قد اختلف في وقفه ورفعه، مع أنه لم يقف على هذا الاختلاف؟؟.
لماذا لم يصحح الحديث عندما خفيت عليه العلة؟.
¥