فقولنا (بذل الفقيه) ليخرج غير الفقيه، فمهما بذل وسعه لايمسى فعله اجتهادا ً، والفقيه هو من تحققت فيه شرائط الاجتهاد على الصفة التي سيأتي ذكرها في (صفة المفتي) إن شاء الله.
وقولنا (بذل الوسع) ليخرج مايحصل مع التقصير، فإن المجتهد إن قصَّر في الاجتهاد يأثم.
وقولنا (حكم شرعي) ليخرج الحكم اللغوي والعقلي والحسِّي فلا يسمى من بذل وسعه في تحصيلها مجتهداً اصطلاحا.
وقولنا (عملي) ليخرج الحكم العلمي، فلا يسمى بذل الوسع في استنباطه اجتهادا ً عند الفقهاء، وإن كان يسمى اجتهادا ً عند المتكلمين.
وقولنا (بطريق الاستنباط) ليخرج نيل الأحكام من النصوص ظاهراً، أو حفظ المسائل، أو استعلامها من المفتي، أو بالكشف عنها في كتب العلم، فإن ذلك وإن كان يصدق عليه الاجتهاد اللغوي فإنه لايصدق عليه الاجتهاد الاصطلاحي.
7 ــ المجتهد: هو الفقيه المستفرغ لوسعه في تحصيل الأحكام الشرعية العملية بطريق الاستنباط، ولابد أن يكون بالغا عاقلا قد ثبتت له مَلَكة يقتدر بها على استخراج الأحكام من مآخذها.
، وأن الاجتهاد هو: بذل الفقيه الوِسع في نيل حكم شرعي عملي بطريق الاستنباط، وأن المجتهد هو هذا الفقيه الباذل وسعه، ولايتمكن من هذا إلا بمعرفة علوم معينة، هى علوم الاجتهاد، ولم يختلف العلماء في أنها خمسة علوم وهى:
1 ــ معرفة القرآن وعلومه.
2 ــ معرفة الحديث وعلومه، أي معرفة الحديث رواية ودراية، وتمييز مايحتج به من الحديث مما لا يحتج به.
3 ــ معرفة الإجماع والاختلاف، أي ماأجمع عليه العلماء قبله ومااختلفوا فيه، وأن يكون قادراً على معرفة الصواب فيما اختلفوا فيه، أي قادراً على الترجيح، قال ابن تيمية (الفقيه: الذي سمع اختلاف العلماء وأدلتهم في الجملة، وعنده مايعرف به رجحان القول) (الاختيارات الفقهية) ط دار المعرفة، صـ 333.
4 ــ معرفة اللغة العربية، نحوها وصرفها ومعانيها وأساليبها.
5 ــ معرفة أصول الفقه، خاصة القياس والتعارض والترجيح.
ـ[المختار]ــــــــ[22 - 01 - 03, 02:49 م]ـ
المرحلة الرابعة:
قولك: (والمقلد انما يعمل ويفتي -ان كان ضابط مذهب - للضرورة = بقول امامه ولا يجوز له الخروج عنه) وهذا أيضاً ليس صحيحاً
: أنه يجب عليه ذلك إن كان تحوله إلى الحق بأن يظهر له أن غير مذهبه أولى بالاتباع في مسألة معينة، قال تعالى (اتبعوا ماأنزل إليكم من ربكم ولاتتبعوا من دونه أولياء) الأعراف 3، ولايجوز له التحول إن كان لمجرد تتبع رخص المذاهب.
قال ابن تيمية رحمه الله (ولا ريب أن التزام المذاهب والخروج عنها إن كان لغير أمر ديني مثل: أن يلتزم مذهبا لحصول غرض دنيوي من مال أو جاه ونحو ذلك: فهذا مما لا يحمد عليه، بل يذم عليه في نفس الأمر، ولو كان ماانتقل إليه خيرا مما انتقل عنه، وهو بمنزلة من لايُسلم إلا لغرض دنيوي، أو يهاجر من مكة إلى المدينة لامرأة يتزوجها أو دنيا يصيبها، وقد كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم رجل هاجر لامرأة يقال لها أم قيس، فكان يقال له: مهاجر أم قيس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ مانوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه».
وأما إن كان انتقاله من مذهب إلى مذهب لأمر ديني، مثل أن يتبين رجحان قول على قول، فيرجع إلى القول الذي يرى أنه أقرب إلى الله ورسوله: فهو مثاب على ذلك، بل واجب على كل أحد إذا تبين له حكم الله ورسوله في أمر أن لا يعدل عنه، ولا يتبع أحداً في مخالفة الله ورسوله، فإنَّ الله فرض طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم على كل أحد في كل حال، وقال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لايجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)، وقال تعالى: (قل: إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم)، وقال تعالى: (وماكان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) (مجموع الفتاوى) جـ 20 صـ 222 ــ 223. وأنبه على أن قصة مهاجر أم قيس قد قال ابن حجر إن الطبراني رواها بإسناد صحيح، ولكن لايوجد في طرق حديث هذه القصة مايدل على أن حديث (الأعمال بالنيات) سيق بسبب ذلك (فتح الباري) 1/ 10.
¥