و قد صح عن علىّ رضى الله عنه أن كان يقول بجلد الزانية المحصنة قبل رجمها، فهل ورد عن الصحابة " جدل فى المسألة؛ رد و تعقب "؟ فإن لم يكن ورد عنهم ذلك، فهل تقول فضيلتك بأن الصحابة كانوا جميعا على الجلد قبل الرجم أم أنهم كانوا جميعا على الرجم دون الجلد أم أنهم اختلفوا بين موجب للجلد قبل الرجم و مانعٍ له؟
و مثلها مسألة العول، فيقال فيها نفس الأمر.
أما عن فساد المقدمة التى انطلقت منها إلى المطلوب:
أولا: يقال لفضيلتك: لماذا جعلت القول بالوجوب أصلا و القول بالاستحباب فرعًا؟ فماذا لو قلبنا لك الآية؟!
أعنى أن نقول (الكلمات التى باللون الأحمر هى التى غُيرت فقط):
السؤال: هل اختلف الصحابة في حجاب الوجه؟.
الجواب: في هذه المسألة الاحتمالات ثلاثة:
- الأول: أنهم لم يختلفوا على وجوبه.
- الثانى: أنهم لم يختلفوا على استحبابه.- الثالث: أنهم اختلفوا؛ فمنهم من أوجب، ومنهم من استحب.
وبعيد على الصحابة أن تخرج أقوالهم على هذه الثلاثة، فلا يرد عنهم القول بالإباحة، دع عنك التحريم أو الكراهية؛ فالحجاب أمر مجمع على مشروعيته بالنصوص الآمرة به، وهم أعظم من امتثل.
فلنفحص أي هذه الثلاثة هو الأقرب؟.
فأما عن الاحتمال الأول، فيشكل عليه ما ورد عن عائشة و ابن عباس و ابن عمر فى تفسير " إلا ما ظهر منها " بالوجه و الكفين.
بقي الاحتمالان: الثاني، والثالث.
فأما الثاني: "أنهم لم يختلفوا على استحبابه"، فأولى من قد يذهب إليه؛ من يقول باستحباب تغطية الوجه. ولا يلزم؛ إذ قد يقول: قد اختلفوا، كما في غيرها. لكن من قالوا بالاستحباب فقد أصابوا دون غيرهم.
أما من يقول بالوجوب، فهو قطعا لا يقبل بفرض: اتفاق الصحابة وعدم اختلافهم على الاستحباب؛ لأنه لو قبل لم يسعه أن يخالفهم.
لكن لو تركنا هذا الاحتمال قليلا، ثم التفتنا إلى الاحتمال الثالث: "أنهم اختلفوا بين موجب، ومستحب" فهذا الاحتمال يرد عليه إشكال هو: أنه لم ينقل عنهم جدل في المسألة؛ رد وتعقب، كما هو المشهور عنهم في مسائل ليست بأكبر من مسألتنا هذه. مثل: سماع الأموات، وصيام الجنب، والتمتع بالحج، وإتمام الرباعية بمنى، ونحو ذلك مما اختلفوا فيه، من فروع المسائل، ونقل خلافهم.
فلم نقف على خلاف بينهم في حجاب الوجه، لم نر من نسبوا إلى القول بوجوب التغطية كابن مسعود يردون على عائشة و ابن عمر و ابن عباس كذلك هم لم يرد عنهم رد و تعقب، فعلام يدل هذا؟.ذلك مما يرجح أنه لم يكن بينهم خلاف في المسألة، فإما أنهم كانوا جميعا على القول بالوجوب، وهذا مردود بما سبق. أو أنهم على القول بالاستحباب، وهذا هو الاحتمال الثاني.
إن عدم نقل خلاف بينهم في هذه المسألة، يدل على اتفاق أمرهم فيها، فإذا ثبت بطلان اتفاقهم على الوجوب، وكان من المحال اتفاقهم على الإباحة، فضلا عن التحريم أو الكراهية، فلم يبق إلا أنهم اتفقوا على الاستحباب، فلم يختلفوا على ذلك.
ثانيا: بخصوص ما عضدت به مقدمتك من صرف أثر ابن عباس " الوجه و الكفان " إلى المحارم مستدلا بما جاء عنه عند البيهقى، ففيه أمران:
الأول: ضعف إسناد الأثر عن البيهقى و لا أعلم لم لم تتعرض له فى جوابك لى.
الثانى: بقية الأثر يدل دلالة صارخة على أن ابن عباس يقصد بكلامه الأجانب لا المحارم و أيضا لم تبين لنا لم لم تنقل الرواية كاملة.
الثالث: إذا سلمنا – جدلا- بصحة الأثر و أن ابن عباس قصد بمن دخل عليها فى بيتها المحارم لا الأجانب، فكيف تصنع بما ورد عن عائشة و ابن عمر؟
أرجو أن تتقبلوا هذه المناقشة بصدر رحب و أن تنظروا فيها بعين التمحيص و التدقيق و اعدلوا هو أقرب للتقوى.
هذا و إ نى إذ أكتب ذلك فإنى لا أناقش صحة القول بالوجوب أو القول بالاستحباب، فقد اتسع صدرى للخلاف و لله الحمد.
و إنما أناقش دعوى اتفاق الصحابة و إجماعهم على الوجوب سواء إن كانت هذه الدعوى دعوى يقين أو غلبة ظن.
¥