فإذا أتاك من يقول إن الاحتفال بالمولد النبوي هو من العادات المحضة وهو مباح، فهل سترضى بذلك؟
ثم إن المباحات ليست بإطلاق، كما قال الإمام الشاطبي:
" إن كل مباح ليس بمباح بإطلاق، وإنما هو مباح بالجزء خاصة (أي بالنظر إليه في ذاته) وأما بالكل (أي بالنظر فيما يتعلّق به من الأفعال) فهو إما مطلوب الفعل، أو مطلوب الترك " انتهى
فإذا تجاوزنا معك وقلنا إن الجلوس للعزاء بحد ذاته مباح، ونظرنا فيما يتعلّق به من الأفعال، لوجدنا أنه يتعلّق به الكثير من البدع والمنكرات والتكاليف والإزعاجات والإرهاق والإثقال وتضيع لبعض المصالح كما هو مشاهد وكما أشرتَ إليه في رسالتك، ومن ثمَّ فإنه مطلوب الترك ولم يعد مباحاً. فكيف و في الأصل لم نسلم لك بأنه مباح؟
ثم أسألك يا أخ ظافر لماذا كل هذا التضخيم في كلامك حين تقول:
1ـ فدلت الأحاديث والآثار على أن السلف كانوا لا يرون بأساً في الاجتماع ...
2ـ أما الجلوس للتعزية فقط فهذا لا يُعلم أن أحداً من السلف قال: إنه من النياحة وحده، أو أنه نهي عنه، بل حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ حديث التلبينة ـ الذي استدل به أصحاب القول الأول يرده.
3ـ ومما يدل على اجتماع السلف ما ذكره ابن حجر
4ـ فهذا أبو النضر يذكر أنهم كانوا عند المسعودي وهو يُعزى في ابن له، مما يدل أن السلف كانوا يجتمعون، وليس فيه بأس.
5ـ قلت: أما قوله ـ رحمه الله تعالى ـ: (التصدي للعزاء بدعةٌ ومكروه) فيُرد على هذا القول بالأدلة والآثار الصحيحة التي استدل بها أصحاب القول الأول. انتهى
والسؤال:
• أين الأحاديث والآثار التي تتكلم عنها وتوحي للقارئ بكثرتها ولم تذكر سوى حديث عائشة، الذي لم يستدل به أحد من السلف على ما ذهبتَ إليه، بل وليس فيه ما يساعد على قولك بالجواز.
• وأين الدليل على أن السلف كانوا يجتمعون للعزاء؟؟، أمّا قصة المسعودي (في رسالتك يوجد خطأ مطبعي فوفاته كانت 160هـ وليس 65هـ) فليس فيها دليل على وجود مجلس عزاء، ثم هب أنه فعل ذلك فهل فعله بالضرورة يكون جائزاً، ألم تنح بعض الصحابيات على موتاها رغم النهي النبوي عنها، أم سيأتي من يبيح النياحة لفعلهنّ!!!
ـ ثم يا أخ ظافر الإمام مالك نهى عن الجلوس للعزاء وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وكل من كان في طبقتهم، وأنت لا أدري لماذا لا تعتبرهم سلفاً، في حين تعتبر ابن حجر العسقلاني الذي جاء بعدهم بسبعة قرون فتقول عنه إنه هو السلف؟؟؟؟
وهذا قولك: إن فهم الحديث الشريف لا يكون إلا بما فهمه السلف الصالح ـ رحمهم الله تعالى ـ فهذا ابن حجر يقول في شرحه لهذا الحديث: (وفي هذا الحديث من الفوائد أيضاً جواز الجلوس للعزاء بسكينة ووقار).
ومع ذلك فإنّ كلام ابن حجر ليس فيه إباحة مجالس العزاء، بل هو يعني مطلق الجلوس وهذا لا خلاف فيه (بمعنى أن الرجل إذا كان جالساً في بيته أو متجره أو بستانه فأتاه من يعزيه بميّته فهذا مشروع، لا أن يُحدث مجلساً خاصّاً للعزاء!) وهذا هو مقصود ابن حجر وهو شافعي المذهب ولم يُخالف أحدٌ من الشافعية في مسألة كراهية مجالس العزاء!
يا أخ ظافر إذا كنتَ تريد أن تعرف ما هو فهم السلف لهذه المسألة فبإمكانك أن تنظر في فهارس كتب السنّة لتجد أنهم كانوا يبوّبون فيقولون كما في سنن ابن ماجة:
باب ما جاء في النهي عن الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام
وجاء في مصنف ابن أبي شيبة
ما قالوا في الإطعام عليه والنياحة. ثم روى
11348 حدثنا معن بن عيسى عن ثابت عن قيس قال: أدركتُ عمر بن عبد العزيز يمنع أهل الميت الجماعات يقول: ترزؤون وتغرمون.
و إسناده حسن.
11349 حدثنا وكيع عن مالك بن مغول عن طلحة قال: قدم جرير على عمر رضي الله عنهما فقال: هل يناح قِبلكم على الميت؟ قال: لا. قال: فهل تجتمع النساء عندكم على الميت، ويطعم الطعام؟ قال: نعم. فقال: تلك النياحة.
¥