وهذا العالم النحرير مجتهد التصحيح في المذهب قد ذكر أنه في كتابه (الإنصاف) قد رجع إلى مؤلفات ومصنفات وشروح لكثير من محققي المذهب كالموفق ابن قدامة , والزركشي , وشيخ الإسلام , وتلميذه ابن القيم , وابن رجب , و ابن مفلح هذا العالم المحقق الذي قال عنه ابن القيم شيخه: ما تحت أديم السماء أعلم بالفقه من شمس الدين ابن مفلح. وكان عمره حينذاك إحدى وعشرون سنة.
وأما قولك يرعاك الله (وأن ما يذكره المتأخرون منهم هو عين كلام أئمتهم) هذا القول يعلم سقوطه وعدم اعتباره من له أدنى عناية بالمذاهب.
لكن ما كتبه المتأخرون في كتبهم هو ما دل عليه كلام أئمتهم وفحواه و منطوقه ومفهومه؛ ولذا تجد الأصحاب قد جمعوا روايات الإمام واعتنوا بها أشد الاعتناء وأتقنه. فلذا تجد صاحب الإنصاف في غالب مسائله التي يذكرها يذكر روايات الإمام في المسألة ثم يقوم بالترجيح بين الروايات وفق قواعد الترجيح في المذهب.
فائدة: قواعد الترجيح التي قررها المرداوي في كتابه الإنصاف ليست من اختراعه بل هو مسبوق إليها. فقد سئل شيخ الإسلام – رحمه الله ورحم الله أئمة المسلمين أجمعين – عن: معرفة مسائل الخلاف فيها مطلق , في: الكافي , و المحرر , والمقنع , والرعاية , والهداية , وغيرها؟.
فقال: ((طالب العلم – انظر إلى اهتمامات طالب العلم زمن شيخ الإسلام و من أراده شيخ الإسلام بهذه التسمية – يمكنه معرفة ذلك من كتب أخر , مثل كتاب التعليق للقاضي , والانتصار لأبي الخطاب , و عُمُد الأدلة لابن عقيل , وتعليق القاضي يعقوب , وابن الزاغوني. وغير ذلك من الكتب الكبار التي يذكر فيها مسائل الخلاف , ويذكر فيها الراجح. وقد اختصرت هذه الكتب في كتب مختصرة , مثل رؤوس المسائل للقاضي أبي يعلى , والشريف أبي جعفر .... ) (الإنصاف 1/ 18).
وقال صاحب الإنصاف: - في نفس الصفحة السابقة- (واعلم – رحمك الله – أن الترجيح إذا اختلف بين الأصحاب إنما يكون ذلك لقوة الدليل من الجانبين. وكل واجد ممن قال بتلك المقالة إمام يقتدى به. فيجوز تقليده و العمل بقوله. ويكون ذلك في الغالب مذهباً لإمامه. لأن الخلاف إن كان للإمام أحمد فواضح. وإن كان بين الأصحاب , فهو مقيس على قواعده وأصوله ونصوصه. وقد تقدم أن ((الوجه)) مجزوم بجواز الفتيا به. والله سبحانه وتعالى أعلم.).
وقال العلامة ابن رجب - يرحمه الله – في طبقاته - في ترجمة ابن المنَّى – (وأهل زماننا و من قبلهم إنما يرجعون في الفقه من جهة الشيوخ والكتب إلى الشيخين الموفق و المجد).
? حديثك في بيان ضعف روايات عن الإمام أحمد و بطلانها من قبل محققين في المذهب: كشيخ الإسلام , وتلميذه ابن القيم , وابن رجب - رحمهم الله – , وكذا: المرداوي , والزركشي , وابن مفلح وغيرهم من محققي المذهب رحم الله الجميع.
لقد وجدت عند قراءة مواضع كثيرة من كتاب الإنصاف اهتمامه بالنقل عن شيخ الإسلام , وتلميذه ابن القيم , وابن رجب , والزركشي , وغيرهم من محققي المذهب في المسائل عموماً و بيانهم للروايات الضعيفة عن الإمام. وإليك أمثلة في ذلك:
1. قال الموفق في المقنع: (وإذا بلغ الغلام سبع سنين: خير بين أبويه. فكان مع من اختار منهما).
قال صاحب الإنصاف: (429/ 9): (1_ هذا المذهب بلا ريب.
ثم قال:
2 - وعنه أبوه أحق.
......
3 - وعنه: أمه أحق.
قال الزركشي: وهي أضعفهما.)
2. ذكر صاحب الإنصاف (35/ 1):رواية عن الإمام أحمد بنجاسة الماء المستعمل في رفع حدث. وذكر أن القاضي أبا يعلى و الشيخ تقي الدين نفياها عن كلام أحمد.
قال ابن رجب (الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة) (في سبب وجود الروايات الضعيفة في مذهب الإمام أحمد): ولدقة كلامه في ذلك ربما صعب فهمه على كثير من أئمة أهل التصانيف ممن هو على مذهبه فيعدلون عن مآخذه الدقيقة إلى مآخذ أخر ضعيفة يتلقونها عن غير أهل مذهبه ويقع بسبب ذلك خلل كثير في فهم كلامه وحمله على غير محامله.
قولك: ومما يلاحظ هنا أن صياغة المذهب عند المتأخرين ليست راجعة إلى استقراء كلام أحمد والاستدراك على من فاته شيء منها، بل هو راجع لقواعد قرروها إما باعتبار مقام التخريج على أصول أحمد أو أو مبنية أيضا على الكثرة، أي كثرة من ذكر هذا مذهبا.
¥