أخي الكريم لو تلقي نظرة تمعن وإنصاف على كتاب الإنصاف للمرداوي تعلم بعدها أن قولك هذا بعيد كل البعد عن الحق.
قولك: لازم المذهب ليس بلازم.
صحيح القاعدة السابقة: لازم المذهب ليس بمذهب.
هذه القاعدة ليست مسلم بها على إطلاقها.
قال صاحب معونة أولي النهى (تحقيق ابن دهيش) الإمام المحقق ابن النجار (34/ 1) (12/): والمقيس على كلامه مذهبه في الأصح.
قال في الفروع: مذهبه في الأشهر .....
وقيل – بصيغة التمريض -: لا يكون مذهبه.
........................
والمأحوذ أن يفصل: فما كان من جواب له في أصل يحتوي على مسائل خرج جوابه على بغضها؛ فإنه جائز أن ينسب إليه بقية مسائل ذلك الأصل من حيث القياس.
فأما أن يبتدئ بالقياس في مسائل لا شبه له في أصوله , ولا يأخذ غير منصوص يبني عليه فذلك غير جائز). اهـ.
قولك: ولهذا فرقوا بين المذهب الشخصي والمذهب الاصطلاحي، لعلمهم _ رحمهم الله _ بمثل المفارقة مع ما يجدونه من مسائل أحمد.
فياليتك تذكر لي مثالاً واحداً خالف فيه الأصحاب إمامهم
بل أن المتأمل لكتب الأصحاب وبخاصة كتاب الإنصاف والفروع يجد التزام الأصحاب بأقوال الإمام أحمد وإليك بعض مسائل من كتاب الإنصاف في مواضع مختلفة:
1. في مسائل الحيض: (1/ 367): ((قال الموفق: فإن لم يكن لها تمييز جلست غالب الحيض): أن تنسى الوقت والعدد وهو مراد المصنف هنا. فالصحيح من المذهب: أنها تجلس غالب الحيض , وعليه جماهير الأصحاب ............ قال في مجمع البحرين: هذا أقوى الروايتين.
2. كتاب العدد: (9/ 275): ((قال الموفق: فإن مات زوج الرجعية: استأنفت عدة الوفاة من حين موته , وسقطت عدة الطلاق): هذا المذهب وعليه الأصحاب ............ وقدمه في المحرر , والشرح .......... وعنه: تعتد بأطولهما.
3. كتاب الجنايات: (9/ 447): وفي وجوب الدية على العاقلة روايتان.
4. باب القذف: (10/ 208): ومن قذف محصناًً , فزال إحصانه قبل إقامة الحد: لم يسقط الحد عن القاذف): نص عليه.
5. كتاب الصداق: (8/ 231 – 233): (وإن أصدقها تعليم أبواب من الفقه , أو الحديث , أو قصيدة من الشعر المباح: صح , وإن كان لا يحفظها: لم يصح , ويحتمل أن يصح , ويتعلَّمها ثم يعلِّمها): وهذا المذهب. نص عليه.
6. باب الولاء: (7/ 375): أنه إذا أعتق عليه بالكتابة: يكون له عليه الولاء. وكذا لو أعتقه بعوض. وعليه جماهير الأصحاب. ونص عليهما.
فيتبين مما سبق أن مذهب الإمام أحمد المدون في كتب الأصحاب المتقدمين , والمتأخرين , وكذا المتوسطين هو مذهب الإمام أحمد في الجملة وغيرها من المسائل إنما هي من اجتهدات مجتهدي المذهب مقيسة على نصوصه وقواعده , فهي إما أوجه , أو احتمالات , أو تخاريج ولا يكون صاحبها إلا مجتهداًَ.
قال ابن النجار في خاتمة كتابه المعونة (تحقيق ابن دهيش) (12/) , (1/ 43 - 46):
(ثم اعلم أن أصحاب هذه الأوجه والاحتمالات والبتخاريج لايكون إلا مجتهداً.
وينقسم المجتهد إلى أربعة أقسام:
1. الأول المجتهد المطلق وهو الذي اجتمعت فيه شروط الاجتهاد المذكورة في كتاب القضاء إذا استقل بإدراك الأحكام الشرعية عن الأدلة الشرعية العامة والخاصة وأحكام الحوادث منها ولا يتقيد بمذهب أحد. قال في آداب المفتي والمستفتي: ومن زمن طويل عدم المجتهد المطلق مع أنه الآن أيسر منهفي الزمن الأول؛ لأن الحديث والفقه قد دونا وكذا مايتعلق بالاجتهاد من الآيات و الآثار و أصول الفقه و العربية و غير ذلك. لكن الهمم قاصرة و الرغبات فاترة ونار الجد والحذو خامدة , وعين الخوف و الخشية جامدة , اكتفاء بالتقليد واستغناء عن التعب الوكيد , وهرباً من الأثقال. وهو فرض كفاية قد أهملوه و ملوه ولم يعقلوه ليفعلوه انتهى. قال في الإنصاف: قلنا قد ألحق جماعة من الأصحاب المتأخرين، بأصحاب هذا القسم: الشيخ تقي الدين ابن تيمية , وتصرفاته في فتاويه وتصانيفه تدل على ذلك.
2. القسم الثاني: مجتهد في مذهب إمامه و إمام غيره. وأحواله أربعة:
الأولى: أن يكون غير مقلد لإمامه في الحكم والدليل , لكن سلك طريقه في الاجتهاد و الفتوى , ودعا إلى مذهبه , وقرأ كثيراً منه على أهله فوجده صواباً فأولى من غيره وأشد موافقة فيه وفي طريقه.
الحالة الثانية: أن يكون مجتهداً في مذهب إمامه مستقلاً بتقديره بالدليل , لكن لا يتعدى أصوله وقواعده مع إتقانه للفقه وأصوله وأدلة مسائله – أي مسائل الفقه – عالماً بالقياس ونحوه , تام الرياضه قادراً على التخريج والاستنباط , وإلحاق الفروع بالأصول , والقواعد التي لإمامه. وهذا شأن الأوجه و الطرق في المذاهب. وهو حال أكثر علماء الطوائف الآن. فمن عمل بفتيا هذا فقد قلد إمامه دونه؛ لأنه مقر له على إضافة ما يقول إلى إمامه لعدم استقلاله بتصحيح نسبته إلى الشارع بلا واسطة إمامه. والظاهر أنه لابد من معرفة ما يتعلق بذلك من حديث ولغة ونحو. فالمجتهد في مذهب أحمد مثلاً إذا أحاط بقواعد مذهبه و تدرب في قياسه و تصرفاته ينزل من إلحاق منصوصاته و قواعد مذهبه بمنزلة المجتهد المستقل في إلحاقه مالم ينص عليه الشارع بما نص عليه. وهذا أقدر على ذا من ذاك فإنه يجد في مذهب إمامه قواعد ممهدة وضوابط مهذبة ما لم يجده المستقل في أصول الشارع ونصوصه. و الحاصل أن المجتهد في مذهب إمامه هو الذي يتمكن من التفريع على أقواله كما يتمكن المجتهد المطلق من التفريع على كل ما انعقد عليه الإجماع ودل عليه الكتاب والسنة و الاستنباط.
وليس على المجتهد أن يفتي في كل مسألة بل يجب عليه أن يكون على بصيرة فيما يفتي به.
يتبع .....
¥