والتجديد ـ أعزك الله ـ ليس غربة، فالذين يدعون إلى استبعاد حقائق الدين وتأويلها بما يعلمون يقيناً أنه ليس مراداً للشارع، ليسوا مجددين ولكنهم مستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، والذين يلهثون وراء النصوص ما لا تحتمل لتأييد آراء فلسفية أو مكتشفات علمية لم تكن موضع جزم بعد ليسوا أيضاً بمجددين ولكنهم مغربون ومشتطون، وهؤلاء وأولئك مهزومون روحياً جاهلون بطبيعة هذا الدين.لا بد من الثقة بهذا الدين وشرح وجهته.
ولا بد من الاقتناع بهذه الأمة وأنها خير أمة أخرجت للناس وأن واجبها أن تكون في الطليعة لا الأمعية والتبعية إذا كان منطلق المصلح من هذه الأصول فهو المجدد حقاً وحذار أن نخدع بتجديد لا يكون على هذه المثابة.
قلت (أي ابن عقيل):أقرب دليل لنا على أن حقائق الدين لا بد أن تلاقي كل فكر مهما كان جباراً وعتيداً وجهاً لوجه من واقع تاريخنا، فلولا عظمة أولئك المجددين الفكرية رحمهم الله لكان الدين كما يقول الملاحدة يقين العجائز والعوام، والحمد لله الذي وقى إسلامنا من الخرافة التي قذفت بالمسيحية من شاهق، والسر في ذلك والله أعلم أن الله ضمن لنا حفظ هذا الدين بقوله " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون "، أما المسيحية واليهودية فوكلها الله إلى المسيحيين واليهود أنفسهم بقوله: " بما استحفظوا من كتاب الله ".
وأما القول: بأن الفلسفة لم تكن طالع خير في تاريخنا المجيد فحق، ولكن يلاحظ أنها اليوم طالع خير على أوربا من بعض الوجوه.
فكيف نوفق بين حالها في واقع متطور وحاضر مشهود؟ لن يتم التوفيق بين هذا وذاك ما لم نتيقن أن الفلسفة ليست شراً لذاتها، وليست خيراً لذاتها لقد كانت شراً في الماضي لأنها ميتافيزيقية بحته بددت العقل البشري المخلوق المحدود خارج إطاره فانبث هباء لا يحصل منه شيء. لقد كانت صراعاً عنيفاً في إثبات النفس واستكناهها وخلودها، وفي وجود الله ووجود الممكن، ثم كانت تصطدم بمقررات الدين اليقينية، فلاقتها صلبة منيعة غير مستسلمة، فطال الجدل ولم يحصل الاقتناع وحق للشاعر أن يقول:
برح بي أن علوم الورى ... اثنان ما إن فيهما من مزيد
حقيقة يعجز تحصيلها ... وباطل تحصيله ما يفيد
ومن ثم وجدت عقدة التكافؤ في الأدلة التي قال بها الشكاك فلم يروا أن حقيقة ما ينهض لها دليل.
كانت عقدة الشكاك سخافة وبلادة وقصوراً فكرياً ولكنها سميت فلسفة!!
أما ما ينبغي أن تندفع فيه الفلسفة إلى أبعد غاية من الطبيعيات والرياضيات والكشوفات العلمية وتوسيع نطاق الاستقراء والتجربة فهذا لم يحدث في فلسفتنا الماضية وما حدث فهو إرهاصات لم تكن كفتق الفلسفة الحديثة.
وإذا اتضح أن اقتناعنا بحقائق الدين يحتم أن نواجه بها كل فكر مهما كان جباراً أو عتيداً وإذا اتضح أن الفلسفة ليست شراً مطلقاً فليس لأحد الحق بأن يؤاخذني بهذا الاعتناء بفلسفة ديكارت التي أتوصل بها إلى إثبات وجود الله سبحانه وتعالى رداً على الوجوديين الذين ينكرون وجود الله ولا يقبلون مني النصوص الشرعية، ولكنني مؤاخذ حملة العلم الشرعي في عدم الإحاطة بذلك لأمور:
أولها: أن حملة الشريعة لن يستطيعوا نشرها والاقتناع بها ما لم يكونوا ملمين ببعض الفلسفات التي تعين على ذلك. كوسيلة للاستمالة لا غاية.
وثانيها: أن فلسفة ديكارت تواكب الإيمان بالدين وتنصر العقيدة، وإننا واجدون فيها مدداً لتحصين العقيدة لا في جوهر فلسفته فقول الله أصدق ولكن في منهجها ومسلكها.
وثالثها: أن ديكارت أبو الفلسفة الحديثة كلها وهذا التعبير يغنينا عن القول بأنه كبير الأثر في الفلسفات التي تليه فلا بد من تمحيص هذه الفلسفة ومعرفة مالها وما عليها وأن ديكارت المفكر العالم تميز بفلسفةٍ في الرياضيات والطبيعيات إلا أن هذه معارف لا أحسنها وتحقيها موكول إلى المختصين وله فلسفة فكرية تتعلق بمنهج البحث والتأليف ووجود الله وخلود النفس وما أشبه ذلك من المباحث الميتافيزيقية، وأنني مقتصر على ناحية واحدة من نواحي فكره الفلسفي هي مسألة البحث عن اليقين الذي توسل إليه بالشك لأن عناصر فلسفته منبثقة من هذا المنهج فالذي يهمنا من ديكارت فلسفته ... أ. ه
وقال ابن عقيل حفظه الله في كتابه المستطاب " تحرير بعض المسائل على مذهب الأصحاب " (43): التحليل الديكارتي: منهج فلسفي يراد تطبيقه، وليس معضلة فلسفية يراد فهمها.
والغرض من التحليل الديكارتي: تفتيت المسألة إلى جزئياتها بواسطة القسمة العقلية، والتحديق لا ستجلاب الفروق الدقيقة لكي نعطي كل جزئية حكمها، فلا نقع في أغلوطة (تعميم الحكم على مسائل غير متحدة) وإن التعميم والإجمال متاهة يضل فيها العباقرة.
ـ[المستظهر]ــــــــ[02 - 02 - 03, 11:32 م]ـ
تحية لكم:
أخي المستمسك بالحق، انا لم أجزم بمرادك بل جعلته معلقا؛ فقلت: ان كان مرادك التعلق القلبي فكذا وان كان مرادك التمذهب فكذا ... وانت اخترت ان مرادك النسبة المتعلقة بالعاطفة لاالتمذهب وهذا انا لاانكره، فالقضية منتهية فأنا وانت متفقان، وقد تقول لي ان كلامي لايحتمل التقسيم الذي ذكرته وحينها يكون الخلاف بسيط وقريب.
وأما قولك: هو يقول بالاجتهاد ويزعم انه مجتهد فكيف ننقل اجتهاده في احكام الاحكام او في المحلى ثم ننسبه الى الظاهريه!!
لايخفاك أن ابن حزم يقول في المحلى كثيرا: وهو قول أبي سليمان أو قول أصحابنا وقد يقول وهو قول بعض أصحابنا وأحيانا يذكر الخلاف عن أصحابه، وهذا موجود في جل المسائل التي يذكر فيها الخلاف فهو يعتني بذكر قول أصحابه فأبو محمد هنا ناقل، واما ترجيحه واختياره فذا لاينسب لاصحاب الظاهر باطلاق.
وشكرا لك،،،، وأعتذر ان كنت أسأت فهمك.
تنبيه:
اذا قال أبو محمد: هو قول أبي سليمان فمراده داوود بن علي
¥