يطلب الأصل المسند السنين الطوال فلا يستطيع تحصيله .. فإذا حصله كان بآلاف الدنانير .. وصرنا نحنُ إلا هذا الزمان لا نجدُ من كتاب عظيم جليل كسنن البيهقي=إلا نسخة ملفقة من عدد من النسخ فنخرج عليها الكتاب .. ووالله لو شُغل النساخ والطلاب بتلكم الأصول لما ضاعت وضيعت جم العلم معها ... وقُرِنَ ذلك بتعظيم ما أسموه: علوم الاجتهاد، وتضييق سبيل العلم بالرواية والرواة، والدعوة إلى الاكتتفاء في نقد السنة بنقل قول عالم من العلماء ولو كان الحاكم،وصار الناس إلى كتب أحاديث الأحكام مجردة الأسانيد، و .. وصار علم الرواية والحديث علماً للمفاليس لا غير .. لا تُدرس منه سوى رسوم نظرية غلبت عليها الصبغة الأصولية الفقهية .. ورحم الله أبا حاتم وأبا زرعة ومشيخة النقاد ..
ومع قلة الرواية وقلة العناية بطلب الإسناد يكثر شيئان:
الدعاوى، والقياس ...
أما القياس فله حديث آخر ...
أما الدعاوى فهي حديثنا ...
فقد آلت إلينا تركة حفتها الدعاوى من كل جانب ....
إجماعات تحكى .........
وقال واشتهر فلم يعلم فيهالخلاف فكان إجماعاً ..
وأقوال إلى الجماهير وأكثر العلماء تُنسب ....
وهو قول أبي حنيفة ....
وهو قول مالك ....
وهو قول الشافعي ....
وهو قول أحمد ....
وبه كان يقول أبو الحسن الأشعري ...
وصارت تجبهك تلك الدعاوى أينما ذهبتَ ...
وليست الدعاوى تُذم لمجردها وإنما تُذم إذا عريت عما يؤيدها من الحجة والبرهان ...
فإذا قلتَ: فما الحجة والبرهان فيما نحن فيه (؟؟؟)
قلنا: لانطلب حجةً ولا برهاناً فوق ما صار عليه سلفنا القرون المتتابعة إما نقل من كتاب صحت نسبته لمؤلفه .. وإما إسناد .. أو شبه الإسناد من النقل المتصل بالطبقات عن الإمام الذي نسب له القول ... وهل بريء ديننا من التحريف وهل حُفظ من أن يُدس فيه ماليس منه =إلا بما ذُكر ....
أما مجرد النقل المرسل والعزو المجرد عن الإسناد من ناقل لم يدرك الإمام المنقول عنه فلا والله لا نثق به ثقتنا بالرواية ولا نركن إليه ركوننا للإسناد .. ولا يُكتفى به بمجرده في نسبة المقالات لقائليها ...
فإن قلتَ: فهل تُطرح هذه المنقولات جملة ويُرمى ويُضرب بها عرض الحائط (؟؟؟)
قلنا: لا بالطبع ...
ولكن هذه المنقولات يعتورها الخطأ في النقل ... والخلل في الإسناد المستور ... والوهم في ضبط المنقول على وجهه ... ويخلط أولئك النقلة فيجعلون ما هو من مقولات أصحاب الإمام =قولاً منصوصاً للإمام نفسه ..
يقول شيخ الإسلام: ((وَهُنَا مَسْأَلَةٌ ثَانِيَةٌ قَدْ يُظَنُّ أَنَّهُ أَرَادَهَا وَلَمْ يُرِدْهَا لَكِنَّا نَتَكَلَّمُ عَلَى تَقْدِيرِ إرَادَتِهَا وَهُوَ أَنَّ مَنْ الْتَزَمَ مَذْهَبًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهُ قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَد وَكَذَلِكَ غَيْرُ هَذَا مَا يَذْكُرُهُ ابْنُ حَمْدَان أَوْ غَيْرُهُ-أي عن أحمد-؛ يَكُونُ مِمَّا قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْصُوصًا عَنْهُ وَكَذَلِكَ مَا يُوجَدُ فِي كُتُبِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ كَثِيرٌ مِنْهُ يَكُونُ مِمَّا ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِمْ وَلَيْسَ مَنْصُوصًا عَنْهُمْ؛ بَلْ قَدْ يَكُونُ الْمَنْصُوصُ عَنْهُمْ خِلَافَ ذَلِكَ)).
بل وأكبر من ذلك أن الكثير مما ينقلونه عن الأئمة وينسبونه إليهم= إنما حصله الناقل استنباطاً وتخريجاً على أصول الإمام ثم هو بعدُ يستجيز أن ينسبه لإمامه تصريحاً فيقول: قال الشافعي .... أو أقل رتبة في الإيهام كأن يقول: وهو قول الشافعي ...
يقول شيخ الإسلام: ((وهذا أصل معروف لكثير من أهل الكلام والفقه يسوغون أن ينسب إلي النبي نسبة قولية توافق ما اعتقدوه من شريعته حتي يضعوا أحاديث توافق ذلك المذهب ولينسبونها إلي النبي، لكن ابن فورك لم يكن من هؤلاء، وإنما هو من الطبقة الثانية الذين ينسبون إلي الأئمة ما يعتقدون هم أنه الحق فهذا واقع في كثير من طائفته، حتي أن في زماننا في بعض المجالس المعقودة قال كبير القضاة: إن مذهب الشافعي المنصوص عنه كيت وكيت، وذكر القول الذى يعلم هو وكل عالم أن الشافعي لم يقله، ونقل القاضيان الآخران عن أبي حنيفة ومالك مثل ذلك، فلما روجع ذلك القاضي قيل له: هذا الذى نقلته عن الشافعي من أين هو؟، أى أن الشافعي لم يقل هذا، فقال: هذا قول العقلاء، والشافعي
¥