تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولما كانت الأغراض الفاسدة في المحبة منحصرة في أنها إما أن تكون للقرابة - على ما هو مركوز في الطبائع -، أو للمال - من حيث إنه مطمح الأطماع -: اقتصر عليهما، والمقصود: تحسين النية، وتزيين الطوية.

انتهى

ثالثاً:

لتعلم أخي السائل حقيقة الأمر، وواقع الأخوَّة، وحتى لا تجد الأوهامُ مجالاً رحباً في نفسك: اعلم أن الظفر بأخ في الله يتصف بمشاعر النبل، والصدق، والأمانة، وغيرها من الصفات الحسنة: عملة نادرة، فلا تتعب نفسك بالبحث عن أخ يمتلك الصفات الجميلة كاملة، فارض بما هو موجود مما يشوبه كدر، ويعتريه نقص، ولستَ أنت الكامل لتبحث عن مثلك، فما منَّا إلا وفيه نقص، وعيوب، يستحيي أن تظهر لأحد، فضلاً أن يطلب كمالها في غيره.

إِذا كُنتَ في كُلِّ الذُنوبِ مُعاتِباً صَديقَكَ لَم تَلقَ الَّذي لا تُعاتِبُه

فَعِش واحِداً أَو صِل أَخاكَ فَإِنَّهُ مُفارِقُ ذَنبٍ مَرَّةً وَمُجانِبُه

إِذا أَنتَ لَم تَشرَب مِراراً عَلى القَذى ظَمِئتَ وَأَيُّ الناسِ تَصفو مَشارِبُه

قال ابن حزم الأندلسي – رحمه الله -:

ومن الأسباب المتمناة في الحب: أن يهب الله عز وجلَّ للإنسان صديقاً مخلصاً، لطيف القول، بسيط الطَّوْل، حسَن المأخذ، دقيق المنفذ، متمكن البيان، مرهف اللسان، جليل الحِلم، واسع العلم، قليل المخالفة، عظيم المساعفة، شديد الاحتمال، صابراً على الإدلال، جم الموافقة، جميل المخالفة، محمود الخلائق، مكفوف البوائق، محتوم المساعدة، كارهاً للمباعدة، نبيل الشمائل، مصروف الغوائل، غامض المعاني، عارفاً بالأماني، طيب الأخلاق، سري الأعراق، مكتوم السر، كثير البر، صحيح الأمانة، مأمون الخيانة، كريم النفس، صحيح الحدس، مضمون العون، كامل الصون، مشهور الوفاء، ظاهر الغناء، ثابت القريحة، مبذول النصيحة، مستيقن الوداد، سهل الانقياد، حسن الاعتقاد، صادق اللهجة، خفيف المهجة، عفيف الطباع، رحب الذراع، واسع الصدر، متخلقاً بالصبر، يألف الإمحاض [أي: إخلاص الود]، ولا يعرف الإعراض، يستريح إليه ببلابله، ويشاركه في خلوة فكره، ويفاوضه في مكتوماته، وإن فيه للمحب لأعظمَ الراحات.

وأين هذا؟!

فإن ظَفِرَتْ به يداك: فشدهما عليه شد الضنين، وأمسك بهما إمساك البخيل، وصنه بطارفك وتالدك، فمعه يكمل الأنس، وتنجلي الأحزان، ويقصر الزمان، وتطيب النفس، ولن يفقد الإنسان من صاحب هذه الصفة عوناً جميلا، ورأياً حسناً.

" طوق الحمامة " (ص 164).

هذه هي الصفات المتمناة في الأخ المحبوب في الله، وقبل أن أطلبها في غيري أسأل نفسي: هل هي محقَّقَة فيَّ؟ وإذا كنَّا نفتقد أخاً مثل الصحابي سعد بن الربيع الذي يعرض على أخيه عبد الرحمن بن عوف شطر ماله وشطر نسائه: فإننا نفتقد أكثر لمثل عبد الرحمن بن عوف الذي تعفف عن مال أخيه وذهب ليعمل بكد يديه.

فلتعش واقعك أخي السائل، واقعا يقول لك: إن ثمة خللا في الأخوة في الله، وفي الحب في الله، وذاك له أساب كثيرة متشابكة، من ضعف الإيمان، وانتشار الحزبية، والعصبية، والجهل، وحب الذات، والتعلق بالدنيا، ونقص الثقة في الآخرين .. ، قال الله تعالى – واصفاً حال الإنسان -: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) الأحزاب/ 72.

سألتُ الناسَ عن خلٍ وفيٍ فقالوا ما إلى هذا سبيل

تمسكْ إن ظفِرت بذيل حُر فإن الحرَّ في الدنيا قليل

ولا يعني هذا أن تيأس من أن تجد أخاً صادقاً صدوقاً، حبيباً محبّاً، لكننا نتكلم عن واقع مرير، وأخوَّة اعتراها نقص شديد، وليست الشكوى من قلة الإخوان فقط في هذا الزمان، بل هي كذلك في القرون الأولى، فعليك أن تعيش مع هذا، وأن تعلم أن الناس لا يخلون من عيوب، وكما قيل " من طلب أخاً بلا عيب: بقي بلا أخ "!

وَمَن لا يُغَمِّض عَينَه عَن صَديقِهِ وَعَن بَعضِ ما فيهِ يَمُت وَهوَ عَاتِبُ

وَمَن يَتَتَبَّع جاهِداً كُلَّ عَثرَةٍ يَجِدها وَلا يَسلَم له الَّهرَ صَاحِبُ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير