تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولا أنْ تَقُولَ إذَا جِئْتَ تَقْرَؤهُ لِمَ هَذَا كَذَا، أوْ لَيْسَ هَذَا بِصَحِيح؟ فَالشَّاعِرُ «النَّبَطِيُّ» يُرِيدُ أنْ يُخْضِعَ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ أجْلِ اسْتِقَامَة وزْن بَيْتِهِ وكَفَى!

ويَقُولُ أيْضًا: «يَنْفَرِدُ هَذَا الشِّعْرُ ـ النَّبَطِيُّ ـ بِخَصَائِصَ تَنْأى بِهِ عَنِ الشِّعْرِ الفَصِيْحِ، ونَظَرًا لأنَّهُ لَمْ تُقَعَّدْ لَهُ قَوَاعِدُ، ولَمْ يُوْضَعْ فِيْهِ دِرَاسَاتٌ يُفْهَمُ على ضَوْئِهَا، وقَدْ جَانَبَ كَثِيْرًا مِنْ قَواعِدِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ، واصْطِلاحَاتِهَا: نَحْوِيَّةً كَانَتْ، أمْ صَرْفِيَّةً، أمْ إمْلائِيَّةً، أمْ عَرُوْضِيَّةً; لِذَا فَإنَّهُ مِنَ العَسِيرِ على الدَّارِسِ لِهَذَا الشِّعْرِ وهُو بَعِيْدٌ عَنْ بِيئَتِهِ ومُحِيطِهِ أنْ يُرَكِّزَ فَهْمَهُ فِيْهِ، أوْ يَخْرُجَ مِنْهُ بِكَبِيرِ فَائِدَةٍ; مَا لَمْ يُؤَدِّهِ الأدَاءَ الصَّحِيحَ بِلَهْجَتِهِ الخَاصَّةِ بِهَا».

كَمَا لا يَخْفَى على الجَمِيعِ أنَّ نَظْمَ الجُمْلَةِ العَرَبِيَّةِ الفَصِيحَةِ يَرِدُ على وُجُوهٍ أقَلُّهَا: أنْ يَتَألَّفَ مِنِ اسْمَيْنِ، أوْ مِنْ فِعْلٍ واسْمٍ، أوْ مِنْ جُمْلَتَيْنِ، أوْ مِنْ فِعْلٍ واسْمَيْنِ، أوْ مِنْ فِعْلٍ وثَلاثَةِ أسْمَاءٍ، أوْ مِنْ فِعْلٍ وأرْبَعَةِ أسْمَاءٍ ... إلَخ.

أمَّا نَظْمُ الجُمْلَةِ العَامِيَّةِ فَلَيْسَ لَهُ قَاعِدَةٌ مَعْرُوفَةٌ حَتَّى الآنَ وقَدْ يُوافِقُ حَالاً مِنْ أحْوالِ بِنَاءِ الجُمْلَةِ العَرَبِيَّةِ ونَظْمِهَا في بَعْضِ التَّعْبِيرَاتِ، وقَدْ يُخَالِفُ ذَلِكَ.

يَقُولُ مَرْزُوْقُ بنُ صِنَيْتَانَ في كِتَابِهِ «الفُصْحَى» (187): «ولا أعْرِفُ حدًّا لِأقَلِّهِ، ولَمْ أطَّلِعْ على تَحْدِيدٍ لِنَظْمِ الجُمْلَةِ العَامِيَّةِ يُمْكِنُ الاعْتِمَادُ عَلَيْهِ حَتَّى يُمْكِنَنَا أنْ نُقَارِنَ بَيْنَ الجُمْلَةِ الفَصِيحَةِ والعَامِيَّةِ، ونَعْرِفَ وجْهَ التَّشَابُهِ بَيْنَهُمَا، ولَيْسَ الغَرَضُ مِنْ هَذِهِ الدِّرَاسَةِ مُقَارَنَةَ الجُمْلَةِ العَامِيَّةِ بِالجُمْلَةِ العَرَبِيَّةِ إنَّمَا الغَرَضُ بَيَانُ الِاخْتِلافِ بَيْنَ نِظَامِ الجُمْلَتَيْنِ، وبُعْدِ كَلٍّ مِنْهُمَا عَنِ الأُخْرَى، وانْتِفَاءِ التَّشَابُهِ بَيْنَهُمَا» انْتَهَى.

* * *

يَقُولُ ابْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ الله في «مَجْمُوْعِ الفَتَاوَى» (32/ 252): «إنَّ هَذَا الكَلامَ المَوْزُونَ كَلامٌ فَاسِدٌ مُفْرَدًا أوْ مُرَكَّبًا; لِأنَّهُمْ غَيَّرُوا فيهِ كَلامَ العَرَبِ، وبَدَّلُوهُ ; بِقَوْلِهِمْ: «مَاعُوا وبَدُوا وعَدُوا»، وأمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا تَمُجُّهُ القُلُوبُ والأسْمَاعُ، وتَنْفِرُ عَنْهُ العُقُولُ والطِّبَاعُ.

وأمَّا «مُرَكَّبَاتُهُ» فَإنَّهُ لَيْسَ مِنْ أوْزَانِ العَرَبِ; ولا هُو مِنْ جِنْسِ الشِّعْرِ، ولا مِنْ أبْحُرِهِ السِّتَّةَ عَشَرَ، ولا مِنْ جِنْسِ الأسْجَاعِ، والرَّسَائِلِ، والخُطَبِ.

ومَعْلُومٌ أنَّ «تَعَلُّمَ العَرَبِيَّةِ، وتَعْلِيمَ العَرَبِيَّةِ» فَرْضٌ على الكِفَايَةِ; وكَانَ السَّلَفُ يُؤَدِّبُونَ أوْلادَهُمْ على اللَّحْنِ، فَنَحْنُ مَأمُورُونَ أمْرَ إيجَابٍ، أوْ أمْرَ اسْتِحْبَابٍ أنْ نَحْفَظَ القَانُونَ العَرَبِيَّ; ونُصْلِحَ الألسُنَ المَائِلَةَ عَنْهُ، فَيَحْفَظُ لَنَا طَرِيقَةَ فَهْمِ الكِتَابِ والسُّنَّةِ، والاقْتِدَاءِ بالعَرَبِ في خِطَابِهَا.

فَلَوْ تُرِكَ النَّاسُ على لَحْنِهِمْ كَانَ نَقْصًا وعَيْبًا; فَكَيْفَ إذَا جَاءَ قَوْمٌ إلى الألسِنَةِ العَرَبِيَّةِ المُسْتَقِيمَةِ، والأوْزَانِ القَوِيمَةِ: فَأفْسَدُوهَا بِمِثْلِ هَذِهِ المُفْرَدَاتِ، والأوْزَانِ المُفْسِدَةِ لِلِّسَانِ، النَّاقِلَةِ عَنِ العَرَبِيَّةِ العَرْبَاءِ إلى أنْواعِ الهَذَيَانِ; الَّذِي لا يَهْذِي بِهِ إلا قَوْمٌ مِنَ الأعَاجِمِ الطُّمَاطِمِ الصَّمَيَانِ؟!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير