ومما يضعف به حديث الباب إضافة إلى ما سبق، أن ما تضمنه من الإخبار عن صيام النبي – صلى الله عليه وسلم - لتسع ذي الحجة، مخالف لما ثبت في صحيح مسلم 2/ 833 ح (1176)، وأبي دواد 2/ 816، باب في فطر العشر ح (2439)، والترمذي 3/ 129، باب ما جاء في صيام العشر ح (756)، ولفظ مسلم عن عائشة رضي الله عنها: " ما رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - صائماً العشر قط "، ولفظ مسلم الآخر: " أن النبي – صلى الله عليه وسلم - لم يصم العشر ". ويضاف إلى ذلك أيضاً: السماع، فليس في شيء منه التصريح بالتحديث سوى رواية أمه عن أم سلمة رضي الله عنها، والله أعلم.
ثانياً: قال الترمذي 3/ 131 باب ما جاء في العمل في أيام العشر ح (758):حدثنا أبو بكر بن نافع البصري، حدثنا مسعود بن واصل، عن نهاس بن قهْم، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب،عن أبي هريرة:" ما من أيامٍ أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة، يعدل صيام كلِّ يوم منها بصيام سنة. وقيام كلِّ ليلة منها بقيام ليلة القدر ".قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلاَّ من حديث مسعود بن واصل،عن النهاس، قال: وسألت محمداً عن هذا الحديث فلم يعرفه من غير هذا الوجه مثل هذا، وقال: قد روي عن قتادة، عن سعيد بن المسيَّب عن النبي– صلى الله عليه وسلم - مرسلاً شيءً من هذا،وقد تكلم يحيى بن سيعد في نهاس بن قهم من قبل حفظه.
تخريجه:*أخرجه ابن ماجه 1/ 551، باب صيام العشر ح (1728)،والخطيب في "تاريخ بغداد" 11/ 208 من طريق محمد بن مخلد العطار، كلاهما (ابن ماجه، والعطار) عن عمر بن شبة، عن مسعود بن واصل به بنحوه.*وأخرجه الترمذي في العلل الكبير ص (120) ح (206) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة، وعلقه الدارقطني في "العلل" 9/ 200 عن الأعمش عن أبي صالح، كلاهما (أبو سلمة، وأبو صالح) عن أبي هريرة بنحوه، ولفظ أبي سلمة:"ما من أيام أحب إلى الله العمل فيهن من عشر ذي الحجة: التحميد،والتكبير، والتسبيح والتهليل".
الحكم عليه: إسناد الترمذي فيه مسعود، والنهاس، وكلاهما ضعيف، وقد قال الإمام الدارقطني في "العلل" 9/ 199: "وهو حديث تفرد به مسعود بن واصل، عن النهاس بن قهم،عن قتادة،عن ابن المسيب،عن أبي هريرة ".
ومع هذا التفرد في وصله، فإن بعض الأئمة صوَّبوا كونه عن قتادة،عن سعيد بن المسيب مرسلاً كما أشار إلى ذلك البخاري – فيما نقله عنه الترمذي عقب إخراجه للحديث – وقال الدارقطني في "العلل" 9/ 200: " وهذا الحديث، إنما روي عن قتادة عن سعيد بن المسيب مرسلاً".وهذا المرسل الذي صوَّبه الأئمة من رواية قتادة،عن سعيد بن المسيب، سلسلة جعلها الحافظ ابن رجب – كما في شرح العلل 2/ 845 – من الأسانيد التي لا يثبت منها شيء، أو لا يثبت منها إلاَّ شيء يسير، مع أنه قد روي بها أكثر من ذلك، ونقل عن البرديجي قوله – عن هذه السلسة –: "هذه الأحاديث كلها معلولة، وليس عند شعبة منها شيء، وعند سعيد بن أبي عروبة منها حديث، وعند هشام منها آخر، وفيهما نظر" ا هـ.
وقد بين الإمام أحمد سبب ضعفها أيضاً – فيما نقله عنه أبو داود في مسائله (304) – بقوله: "أحاديث قتادة عن سعيد بن المسيب ما أدري كيف هي؟ قد أدخل بينه وبين سعيد نحواً من عشر رجالْ لا يعرفون".وأما الطريق التي رواها أبو صالح، فقد صوَّب الدارقطني – في العلل 9/ 200 – إرسالها.
وأما رواية الحديث من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة، فقد سأل الترمذي الإمامين البخاري، وأبا عبدالرحمن الدارمي عنه، فلم يعرفاه من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة،عن أبي هريرة. وقال الدارقطني في "العلل" 9/ 200:" تفرد به أحمد بن محمد بن نيزك – وهو شيخ الترمذي في هذا الحديث – عن الأسود بن عامر، عن صالح بن عمر، عن محمد بن عمر، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رفعه ".
وكلام الدارقطني في "العلل" كله يدور على أن الحديث لا يصح مرفوعاً من حديث أبي هريرة، بل هو مرسل، وعلى إرساله من رواية قتادة عن ابن المسيب، وهي سلسلة مطروحة.
وقد ضعف الحديث جماعة من أهل العلم، ومنهم:
1 - الحافظ ابن رجب، في "لطائف المعارف" ص (459)، وفي "فتح الباري" 9/ 16،17.
2 - الحافظ ابن حجر، في "الفتح" 2/ 534 ح (969).والله أعلم وصلى الله وسلم على نبيا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
¥