تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أن محبة الأشياء ومحبة الأشخاص تعمي الإنسان، فتجعل هذا الإنسان يبالغ في الوصف، وكذلك الكراهية الشديدة تجعل الإنسان يبالغ أحياناً في الذم والتحقير، فلا يصور الأمر على حقيقته الطبيعية، وهو يكون بذلك قد فعل جرماً حيث إنه نقل صورة مشوهة غير حقيقة إلى الآخرين فسبب ذلك إرباكاً في تصوراتهم.

فأقول:

محبه الأشخاص محبة الأشياء محبة الإنسان لطائفته ومذهبه ومتبوعه وشيخه تجعل هذا الإنسان يبالغ أحياناً يبالغ في مدحه وفي الثناء عليه.

خذ مثالاً على ذلك:

هذا يونس بن عبد الأعلى -رحمه الله- يقول: في وصف الإمام الشافعي -رحمه الله- يقول: "لو جمعت أمة لوسعهم عقل الشافعي"، هذا الكلام وهذا الخبر يمر علينا كثيراً في ترجمة الإمام الشافعي -رحمه الله- ولربما لم يتوقف عنده أحد منا؛ مع أن هذا الخبر ينبغي ألا يمرر.

معلوم أن الإنسان لو أخذ من عقله شيء يسير لصار في عالم غير العقلاء أليس كذلك؟!، لو وزع عقل إنسان واحد على أمة كاملة لوسعها؟، هذا لا شك أنه مبالغه لا يمكن أن يقبل بحال من الأحوال، عقل الإنسان لا يكفي لو وزع على اثنين أو ثلاثة أو على أربعة، فكيف لو وزع على أمة كاملة؟ لكن الذي قال ذلك رجل يحب الشافعي -رحمه الله-.

وهاك مثالاً آخر:

رجل يحب مذهب أبي حنيفة -رحمه الله- وهو حماد بن أبي سليمان ذهب إلى الحج، ثم بعد ذلك رجع إلى الكوفة فلما دخل عليه طلاب العلم وجلسوا عنده، قال: أبشروا يا أهل الكوفة، فقد أتيت الحجاز ورأيت عطاء وطاووس ومجاهد -هؤلاء أئمة التابعين في الحجاز- قال: " رأيت هؤلاء والله أن صبيانكم وصبيان صبيانكم أفقه منهم" فهذه لا شك أنها مبالغة مفضوحة مكشوفة، لا يمكن أن تروج الإ على البسطاء من الناس.

وهذا رجل يحب الإمام أحمد -رحمه الله- وكلنا نحب هؤلاء الأئمة لكننا نرفض المبالغة، هذا رجل يحب الإمام أحمد يبالغ في محبته فيقول: "نظرة عندنا إلى وجه الإمام أحمد تعدل عبادة سنة" كيف تكون نظرة إلى وجه إنسان من الصالحين تعدل عبادة سنة؟ سجدة لله -عز وجل- واحدة أفضل من نظرة إلى وجه رجل من الصالحين، فكيف بعبادة سنة؟ فكيف بصيامها وقيامها وصدقتها وما إلى ذلك من العبادات؟!.

هذه أشياء نجدها في كتب الأخبار، ثم تمر علينا دون أن نمحص فيها، ولربما نقلناها إلى الآخرين.

ـ[المسيطير]ــــــــ[19 - 07 - 08, 07:45 ص]ـ

وأيضاً مما يسبب المبالغة:

ما يشاع حول بعض الكبراء والعظماء، والأحداث الكبار، والمشاريع الضخمة الغابرة أو المعاصرة؛ فيبالغ الناس في وصف هذه الأمور مع اختلاف مقاصد هؤلاء المخبرين المبالغين، فمنهم من يقصد الكذب والدجل، لأمر يريد الوصول إليه، فهو يبالغ ليصنع شخصية أسطورية تجاه هذا الشخص الذي بالغ في وصفه، ولربما بالغ لسبب آخر وهو مرتبط بالسبب الذي قبله، وهو أنه رأى من هذا الشخص شيئاً استعظمه، فبالغ في مدحه وذكره والثناء عليه، وكثير من الناس لا يستطيعون أن يزنوا أنفسهم بالميزان الصحيح، فهو إما أن يبالغ في المدح، وإما أن يبالغ في الذم.

واسمع كلام الناس في شيوخهم ولا أضر على طالب العلم من تلامذته إن لم يتبصر في حاله وفي ضعفه، وفي عجزه وفي مسكنته وفي جهله، فإن من عرف الله –عز وجل- وعرف نفسه فإنه لا يضره قول القائلين لا يعبأ بهم ولا بكلامهم، (رحم الله امرئ عرف قدر نفسه).

أما طالب العلم الذي يقبل ما يقال فيه فهذا يجتمع حوله جماهير من البسطاء يعظمونه ويضخمون أمره، وينسجون حوله الأساطير والأكاذيب، ويبالغون في القول بمدحه، كم سمعنا في المجالس من إعطاء أشخاص أوصافاً ليست حقيقة.

حضرت مجلساً فإذا شخص من البسطاء يذكر أحد طلبه العلم في مجلس عامر بالشيوخ، والمتحدث هو أصغرهم، يذكر طالب العلم ويثني عليه من غير أن يسميه وذكر عنه أشياء كثيرة جداً، ومما ذكر -فيما أحفظه في هذه الساعة- أنه قال: يحفظ الكتب الستة بالأسانيد مع ترجمة رجال كل إسناد، وكنت قد عرفت من يقصد، ولما قال هذه الجملة اختلطت الأوراق والتصورات في ذهني فذهبت اضرب يميناً وشمالاً أضرب أخماس في أسداس من يقصد هذا الإنسان؟ لا يمكن أن يقصد الشخص الذي ظننت أنه يتحدث عنه، ثم بعد ذلك سألته من تعني؟ قال فلان، قلت: فلان الفلاني الذي كان بالمكان الفلاني ودرس في المكان الفلاني؟ قال: نعم فازددت عجباً، لا أعرف أنه يحفظ هذه الأشياء.

ثم بعد ذلك حصل مجلس آخر مع هذا الشخص عند بعض طلبة العلم، وكنت قد حكيت له ما سمعت، فأخرج صحيح الإمام مسلم، وقال: أريد أن أنظر هل أنت تراجع المحفوظات أم لا؟ أريد أن تعرض عليَّ بعض الأبواب من حفظك، فقال: أنا لا أحفظ شيء من الكتب الستة، أنا قرأت مختصر صحيح الإمام مسلم للمنذري، قرأ مختصر، ما قرأ صحيح مسلم ولا درسه، قرأ مختصر صحيح الإمام مسلم للمنذري فقط، فأين حفظ رجال الكتب الستة؟ وأين حفظ ترجمة كل رجل من رجال الإسناد؟ وأين حفظ الكتب الستة بمتونها؟ أين هي؟.

فهذا المسكين الذي يبالغ في هذا المدح يظن أنه يحسن إلى هذا الممدوح، ما علم أن هذا المدح الذي في غير محله أنه يسيء إليه بذلك غاية الإساءة.

ولذلك ينبغي على الإنسان أن يحذر ولا يسمح لأحد كائناً من كان أن يطريه أو أن يذكره بشيء ليس فيه، والعجيب أن بعض الناس يتعمدون هذه الأساليب، وقد رأيت من هؤلاء أعاجيب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير