تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الَّذِي أَرَادَهُ أُولَئِكَ كَلَفْظِ الْجِسْمِ وَالْجِهَةِ وَالْحَيِّزِ وَالْجَبْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ بِخِلَافِ أَلْفَاظِ الرَّسُولِ فَإِنَّ مُرَادَهُ بِهَا يُعْلَمُ كَمَا يُعْلَمُ مُرَادُهُ بِسَائِرِ أَلْفَاظِهِ وَلَوْ يَعْلَمُ الرَّجُلُ مُرَادَهُ لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْإِيمَانُ بِمَا قَالَهُ مُجْمَلًا. وَلَوْ قُدِّرَ مَعْنًى صَحِيحٌ - وَالرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُخْبِرْ بِهِ - لَمْ يَحُلَّ لِأَحَدِ أَنْ يُدْخِلَهُ فِي دِينِ الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ مَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ التَّصْدِيقَ بِهِ وَاجِبٌ. وَالْأَقْوَالُ الْمُبْتَدَعَةُ تَضَمَّنَتْ تَكْذِيبَ كَثِيرٍ مِمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ يَعْرِفُهُ مَنْ عَرَفَ مُرَادَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُرَادَ أَصْحَابِ تِلْكَ الْأَقْوَالِ الْمُبْتَدَعَةِ. وَلَمَّا انْتَشَرَ الْكَلَامُ الْمُحْدَثُ وَدَخَلَ فِيهِ مَا يُنَاقِضُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَصَارُوا يُعَارِضُونَ بِهِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ؛ صَارَ بَيَانُ مُرَادِهِمْ بِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ وَمَا احْتَجُّوا بِهِ لِذَلِكَ مِنْ لُغَةٍ وَعَقْلٍ يُبَيِّنُ لِلْمُؤْمِنِ مَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَقَعَ فِي الْبِدْعَةِ وَالضَّلَالِ أَوْ يَخْلُصَ مِنْهَا - إنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ - وَيَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ فِي الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ مَا يُعَارِضُ إيمَانَهُ بِالرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ)).

وقال ابن الوزير في كتابه ((إيثار الحق على الخلق)): فاعلم أن ابتداع المبتدعين من أهل الإسلام راجع إلى هذين الأمرين الباطلين , وهما الزيادة في الدين والنقص منه , ثم يلحق بهما التصرف فيه بالعبارات المبتدعة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بأمر ثالث , لأنه من الزيادة في الدين , لكنه يفرد بالكلام وحده لطول القول فيه , وعظم المفسدة المتولدة عنه ().

ثم قال: الأمر الثالث: التصرف في عبارات الكتاب والسنة والرواية بظن الترادف في الألفاظ , واعتقاد الترادف من غير يقين , وقد تفاحش الأمر في ذلك , ونص القرآن على النهي عن التفرق , فوجب تحريم ما أدى إليه , والاختلاف في معاني كتاب الله تعالى , ورواية ما قال الله ورسوله بالمعنى قد أدى إلى الحرام المنصوص , ولم يكن من الإنصاف أن نقول: الحق متعين منحصر في عبارات بعض فرق الإسلام دون بعض غير ما ثبت في إجماع الأمة والعترة ,, فوجب أن يعدل إلى أمر عدلٍ بين الجميع فتترك كل عبارة مبتدعةٍ من عبارات فرق الإسلام كلها)).

فما سماه المتكلمون اصطلاحات ومصطلحات , هي ألفاظ محدثة , وألسنة محدثة مخالفة للسان العرب الذي نزل القرآن به , وتلك الألسنة والألفاظ المحدثة منها ما أحدثته العامة من الناس , ومنها ما أحدثه المتكلمون والصوفية والفقهاء والمحدثون والنحاة والأطباء وغيرهم , وليس الكلام في الدين كالكلام في النحو والطب وغيره , وكل محدثة في الدين بدعة وكل بدعة ضلالة , وكان السلف ينكرون كل لفظةٍ محدثةٍ في الدين , ليست في كتاب الله , ولا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولا تكلم بها أحد يؤخذ عنه العلم قبلهم , وكان المعتزلة والصوفية وغيرهم من المبتدعة هم أول من أحدث تلك الألفاظ في الدين , وأكثر المتكلمون منهم من تلك الألفاظ في المائة الرابعة وبعدها , وسموها اصطلاحات , وزعموا أن لا مشاحة فيها , واتبعهم على ذلك الأشعرية , وطوائف من المتفقهين , وشاعت تلك الكلمة على ألسنتهم , وأحدثوا ألفاظاً كثيرة يتكلمون بها في الدين , ليست في كتاب الله , ولا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تكلم بها احد قبلهم , ونقلوا كثيراً من ألفاظ القرآن والحديث إلى غير ما كانت تدل عليه , وأنكر ابن تيمية وابن القيم كثيراً من تلك الألفاظ المحدثة , ولكنهم تكلموا بكثير منها , وأحدثوا هم ألفاظاً مثلها يجيبون بها المتكلمون , فكان لسانهم يشبه ألسنة المتكلمين في زمانهم ودعا ابن الوزير الصنعاني إلى هجر كل عبارة مبتدعة في الدين من عبارات فرق الإسلام كلها , ولكنه تكلم بتلك العبارات والألفاظ , واعتذر بقوله إنه لم يمنع منها مطلقاً , فحل بذلك ما أبرم , ونقض ما غزل , وأفسد صواب رأيه بضعف عزيمته , فشاعت تلك الألفاظ المحدثة وكثرت في المتأخرين , وصارت ألسنة الفقهاء والمتفقهين على غير ما كانت عليه في كلام الله ورسوله فخفي على أكثر المتفقهين ما كانت تدل عليه تلك الألفاظ في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والتبس عليهم الحق بالباطل , والسنة بالبدعة , وضلوا عن لسان العرب الذي نزل القرآن به , وأكثر اختلاف الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من اختلاف الألسنة ونقل ألفاظ العرب على غير ما كانت تدل عليه , وحفظ لسان العرب الذي نزل القرآن به , والتفريق بينه وبين تلك الألسنة المحدثة هو حفظ الدين كله.

الخلاصة:

كل من سمى شيئاً من الدين غير ما سماه الله تعالى ورسوله به -ولو كان المعنى واحداً مترادفاً فمجرد الإحداث بدعة- , أو نقل لفظه من كلام الله ورسوله إلى غير ما تدل عليه، أو اخترع لفظاً فجعل الإيمان به واجب والعدول عنه بدعة، فهو يضل عن الحق , ويلبسه بالباطل , و لا حرج على الناس أن يحدثوا ألفاظاً يتكلمون بها في أمر دنياهم ,أو اصطلاحات علومهم ما لم يغيروا بذلك شيئاً من أمر دينهم، أو يضعوا اللفظ المصطلح عليه في العلم محل اللفظ الشرعي أو يحملوا اللفظ الشرعي على معنى اللفظ الذي اصطلحوا عليه في علومهم، وكذلك ما يدور في مجالس المناظرة ومجاري الردود من استعمال تلك الألفاظ البدعية لبيان ما فيها من باطل وكشف ما قد تتضمنه من الحق الذي لا يجوز التعبير عنه إلا باللفظ الشرعي=جائز لا بأس به مالم يتعدى إلى غيره، وإن كان المشاهد أن استعمال تلك الألفاظ يقود إلى غلبتها على الألسنة وقل من يسلم من هذا ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير