نسبة القول بوجوب الجماعة إلى الشافعي في الأم، أظنها وهماً ممن نسبها إليه، فقد قال الإمام الشافعي في (الأم) ما نصه: [والثلاثة فصاعدا إذا أمهم أحدهم جماعة، وأرجو أن يكون الاثنان يؤم أحدهما الآخر جماعة، ولا أحب لأحد ترك الجماعة ولو صلاها بنسائه، أو رقيقه، أو أمه، أو بعض ولده في بيته وإنما منعني أن أقول صلاة الرجل لا تجوز وحده وهو يقدر على جماعة بحالٍ تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الجماعة على صلاة المنفرد ولم يقل لا تجزئ المنفرد صلاته وإنا قد حفظنا أن قد فاتت رجالا معه الصلاة فصلوا بعلمه منفردين وقد كانوا قادرين على أن يجمعوا وأن قد فاتت الصلاة في الجماعة قوما فجاءوا المسجد فصلى كل واحد منهم متفردا وقد كانوا قادرين على أن يجمعوا في المسجد فصلى كل واحد منهم منفردا وإنما كرهوا لئلا يجمعوا في مسجد مرتين ولا بأس أن يخرجوا إلى موضع فيجمعوا فيه وإنما صلاة الجماعة بأن يأتم المصلون برجل فإذا ائتم واحد برجل فهي صلاة جماعة وكلما كثرت الجماعة مع الإمام كان أحب إلي وأقرب إن شاء الله تعالى من الفضل.] وكلامه ظاهر في أنه لم يوجبها وإنما استحبها.
ثانيا:
قولي وذهب الحنابلة والظاهرية إلى وجوب الجماعة لا ينافي قولكم اشترطها الظاهرية وبعض الحنابلة لصحة الصلاة، لأن الشرطية لا تنافي الوجوب، وقد أردت أنهم أوجبوها إجمالا، ولم أعرج على الخلاف بين الموجبين في اشتراطها للصحة وعدمه لشهرته، ولأن الجواب كان مجملا، لم أفصل فيه.
ثالثا:
جريت على ما جرت به العادة عند حكاية الأقوال الفقهية إجمالاً، والعادة المتبعة عند الفقهاء أن المراد بالجمهور ثلاثة من الأئمة الأربعة، أو أشهر الأقوال في ثلاثة من المذاهب الأربعة، وفي مسألتنا فالقول المشهور المعتمد عند الأحناف والمالكية والشافعية هو أن الجماعة ليست واجبة على الأعيان.
والقول المشهور المعتمد عند الحنابلة هو وجوبها لذا اقتصرت عليه أيضا، ولو أردت التفصيل لقلت: ذهب أحمد في رواية إلى أنها تجب في المسجد وهي المذهب وذهب أحمد في رواية ثانية إلى أنها تجب في أي مكان فلو صلوا جماعة في بيت مع قدرتهم على المسجد فلا حرج، وفي روايةثالثة إلى أنها سنة وفي رابعة إلى أنها فرض كفاية وفي خامسة إلى أنها شرط صحة ... ولكن أردت الاختصار، وجزاكم الله خيرا
قال في الإنصاف: [باب صلاة الجماعة. قوله (وهي واجبة للصلوات الخمس على الرجال لا بشرط) هذا المذهب بلا ريب، وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم ونص عليه، وهو من مفردات المذهب، وقيل: لا تجب إذا اشتد الخوف. وقيل: لا تنعقد أيضا في اشتداد الخوف اختاره ابن حامد، والمصنف، على ما يأتي هناك، وعنه الجماعة سنة، وقيل: فرض كفاية ذكره الشيخ تقي الدين وغيره .... ]
ولاحظ قوله عن رواية الوجوب: وهي من مفردات المذهب، ومعناه أن الجمهور على خلافه
رابعا:
لا يلزم من كون القول قول الجمهور أن يكون صواباً أو خطأً، فالغرض كان حكاية الأقوال وإلا فمناقشتها لها مقام آخر، ولا حرمنا الله فوائدكم.
ـ[أبو عبدالله النجدي]ــــــــ[05 - 03 - 03, 12:03 ص]ـ
بارك الله فيكم شيخنا الكريم ....
ما تفضلتم به من الجريان على اصطلاح الفقهاء لا إشكال فيه، وما يريبني كثيراً هو إطلاق نسبة القول إلى الجمهور، فهذه عبارة تحتاج إلى فحص وتأمل.
فمثلاً انظر إلى عبارة الإمام الشافعي في الأم حين يقول: (فلا أرخص لمن قدر على صلاة الجماعة في ترك إتيانها إلا من عذر) (1/ 277)، أليست نصاً، أو كالنص في الوجوب العيني.
وهذا ما نقله عنه أبو بكر ابن المنذر في الأوسط (4/ 138)، وهو من كبار الشافعية، و ممن نسب إلى الشافعي القول بالوجوب ابن القيم في كتابه الصلاة (70)، فهذا على الأقل يفيد الشبهة في عزو القول بالسنية إلى الشافعي، ويظهر لي أن كلامه الأول الذي نقلتموه إنما قاله رداً على من ذهب إلى اشتراطها، بقرينة قوله (ولم يقل لا تجزئ المنفرد صلاته)، أقول هذا جمعاً بين أول كلامه وآخره.
ولا شك أن نسبة القول بالوجوب أو السنية إلى الشافعي مشكلة، لاختلاف أول كلامه وآخره، ولقد يرجع هذا إلى أسلوب هذا الإمام الكبير في صياغة الكلام بأسلوبه الجزل المفخّم، ولذا كان لأصحابه في المسألة ثلاثة أوجه، فالله أعلم.
أما الحنفية فقد قال ابن الهمام: (وحاصل الخلاف في المسألة أنها فرض عين، إلا من عذر، وهو قول أحمد وداود وعطاء وأبي ثور) اهـ
ثم قال: (وقيل على الكفاية، وفي الغاية: قال عامة مشايخنا:إنها واجبة، وفي المفيد: إنها واجبة، وتسميتها سنة لوجوبها بالسنة) اهـ (فتح القدير (1/ 344)، ومثله في إعلاء السنن للتهانوي.
"""""""""""""""""""""
فيلاحظ أن الإطلاق فيه إشكال، حتى على الطريقة الاصطلاحية، والأمر كما تفضلتم (أن نسبة القول إلى الجمهور لا يلزم منه ترجيح ذلك القول أو رده)، لكن لا شك ـ أيضاً ـ أن لقول الجمهور (هيبةً) واعتباراً.
وما تفضلتم به من ذكر اختلاف الروايات عن أحمد وغيره حسن ـ أحسن الله إليكم ـ، وهو يؤكد حاجة كتب الفقه إلى تحرير المصطلحات، والتأكد من نسبة الأقوال إلى قائليها، أما قولهم " لا مشاحة في الاصطلاح " فهي عبارة غير دقيقة، فلله كم اشتبه بسببها كثيرٌ من العلم، والله تعالى يتولاكم بكلاءته ...
والله أعلم.
¥