تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بطبيعة الحال الموريتانيون هم من العرب، ليست لهم خاصية غير موجودة في البلاد العربية، الذاكرة، سرعة الاستيعاب، سرعة البديهة .. هذه كلها كانت موجودة في العالم العربي، في جاهليتهم وإسلامهم، لكنا نحن احتفظنا بطابعنا البدوي، والبداوة تشحذ الذهن لأن الإنسان يبيت في الصحراء تحت نجوم السماء وفي بطن الأودية، ما فيه خرير المياه، ما فيه أزيز طائرات، ما فيه دواخن المصانع، الجو صافي كما كان، والتضاريس عندنا هي تضاريس الوطن العربي في أصل الجزيرة العربية أو في أرض العرب الأصلية، الواحد يسهل عليه الاستيعاب، أنتم عندما تفقدون شريطا من أشرطة الأجهزة طبعا تختلط المعلومات، لكن لما الواحد عندنا عندما يكون شريط ذاكرته نقيا، يسجل عليه، أنا أقول للناس: أنا جئت دون أبي في العلم وفي الذكر وفي الحفظ لماذا؟ لأني أنا أعرف أسماء عواصم دول إسكندنافية ونظم دول، هذه ملكية وتلك جمهورية وغيرها، وهو لم يكن يعرف هذا، فالمكان الذي كان بإمكاني أنا أن أختزن فيه بعض المعلومات شغلته بمعلومات أخرى، فمعروف عن الموريتانيين أنهم أصحاب ذاكرة قوية، لكن هذه الذاكرة القوية وليدة البداوة، كان عندنا رجل وحده مؤلف الوسيط، رجل من أدباء الشنقيط اسمه (أحمد بن الأمين) هو كل ما أودعه من الشعر والقصص والأنساب من حفظه، لم يكن يلجأ إلى كتب، فيه عندنا واحد يلقب .. جاء إليه المصريون، وأرادوا أن يمتحنوه، قالوا: إن جاء اتركوه للتعارف قال: أنا أعد لكم عشرة من آبائي، وأنتم كل واحد يعطيني عشرة من آبائه وبعدين نلتقي، فلما التقوا من الغد قال السلام عليك يا فلان بن فلان بن فلان حتى العاشر، وفعل كذلك بالثاني إلى العاشر، فحفظ مائة أب في مجتمع غريب عليه، ونظر بعض القوم إلى بعض فإذا بهم لا يحفظون اسم أبيه الذي يليه.

وهذه مثل ما امتحن علماء بغداد "البخاري" عندما قدم عليهم، يسمعون عن جودة دينه وسعة حفظه، فقالوا: نمتحنه، وجردوا له عشرة من رجال الحديث، كلهم عندهم عشرة أحاديث مقلوبة يركب متن هذا الحديث على سند هذا، وسند هذا على متن هذا، وعقدوا له مجلسا للامتحان والمناظرة، فكل شيخ جاء بالأحاديث كلها، حتى تنتهي أحاديث ذلك الشيخ العشرة، ويأتي الآخر فيقول لا أعرفه، حتى انتهوا كلهم ينظر بعضهم إلى بعض ويقولون: هذا الذي نسمع من حفظه كذب مبالغ فيه، وبعضهم يقول هذا فطن للحيلة وسنعرف، فلما فرغوا من عند آخرهم، التفت (البخاري) إلى الأول قال: أما الحديث الأول الذي سألت عنه فهو سنده كذا وكذا، ومتنه كذا وكذا، فرد كل متن إلى سنده، وهذا ما أشار إليه العراقي في ألفيته مصطلح الحديث في مبحث الحديث المقلوب

ومنه قلب سند لمتن

نحو امتحانهم إمام الفن في مئة

لما أتى بغداد ..... [كلام غير مفهوم]

هذا النوع كان موجود، موجود في العالم الإسلامي، لكن نحن بقينا على بداوتنا.

(تقرير مسجل):

قال شاعر موريتاني مفتخرا بالمحاضر:

نحن ركب من الأشراف منتظم

أجل ذا العصر قدرا دون أدنانا

قد اتخذنا ظهور العيس مدرسة

بها نبين دين الله تبيانا

محمد كريشان:

رغم عراقة هذه التجربة، تجربة المحاضر، ورغم أصالتها وطرافتها أحيانا ربما تؤدي في النهاية إلى إفراز مجموعة من المتضلعين في اللغة وفي الفقه، ولكنهم علماء محليين إذا صح التعبير، هم جيدين في هذا الاختصاص فقط، يعني لا يمكن لهم التدرج في ركاب العصر أو ما يوصف الآن بالعلوم المعاصرة، هو عالم، ولكن عالم سيظل عالم محلي في بيئته الصحراوية.

الشيخ محمد سالم:

علوم العولمة .. ما أحوج علوم العولمة إلى هذه العلوم، الشيوخ الشناقطة الآن في الكليات، في الجامعات، في السعودية، في الإمارات، في قطر وغيرها، هم من هذا النمط، ولولا نبوغهم هنا لما احتيج إليهم هناك، فلا أخاف عليهم من كساد بضاعتهم ما دام الناس يحتاجون للعلوم والإسلامية والإنسانية.

محمد كريشان:

هل هناك بعض التراخي من الأجيال الموريتانية الشابة؟ هل شعرتم بأن الطالب القديم ربما أكثر صلابة من الطالب الجديد؟ هناك الآن التلفزيون، الأطباق الفضائية، أصبحت هناك مجالات للمتابعة وللترفيه لم تكن متوفرة في السابق في المجتمع الموريتاني ..

الشيخ محمد سالم:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير