فنظام المحضرة يقوم على عالم معين , يؤسس المحضرة , أو تتأسس عليه , فتُعرف به وتُنسب إليه , وتعيش ماعاش , وتموت إذا مات , ولا تكاد تقوم بدونه.
فالمحضرة لا ترد طالباً لعدم وجود مقاعد شاغرة , ولا تغلق أبوابها لقلّة عدد الطّلاب , فلا حدّ أعلى لعدد الطلاب الذين تستقبلهم , ولا حدّ أدنى للعدد الذي تقوم عليه , فقد يقل الطلاب في بعض الأزمنة بحيث لا يبقى في المحضرة إلاّ طالب أو طالبان فقط , ومع ذلك تظل أبوابها مفتوحة لمن يريد أن يستفيد.
وعلى الرّغم من أنّ المحاضر مدارس صحراوية متنقّلة , وصبغتها البساطة وتّشبه الكتاتيب في شكلها الخارجي , إلاّ أنّ الباحثين يؤكدون أنّها حقّقت لطلابها مستوى علمياً رفيعاً , لا يقل عن مستوى الجامعات العريقة المشيدة في المناطق الحضارية , ولذا تُسمى جامعة الصحراء.
و من السمات الفارقة التي تميزها عن غيرها من مؤسسات التعليم , هي أنها ليس لها مكان محدد , ولا طريقة خاصة لإلقاء الدروس , فتارة يكون مقرها حين الإقامة تحت الشّجر , أو في أعرشة من خشب , أو تحت الخيام , أو في الهواء الطلق .. أمّا أثناء الارتحال , فقد يكون مقرها ظهور الإبل.
ويشيد العلامة المختار بن بُون بهذه الميزة. حيث يقول:
ونحن ركبٌ من الأشراف منتظم ** أجل ذا العصر قدراً دون أدنانا
قد اتخذنا ظهور العيس مدرسة ** بها نبين دين الله تبيانا
نبذة عن منهج المحضرة ومقرراتها ومراحل الدراسة فيها:
منهج المحضرة منهج كيفي لا كمّي , وهو يسير وفقاً لترتيب دقيق , يرتبط بالكتب لا بالسنين ,فكلّما أتمّ الطالب مجموعة من الكتب انتقل لغيرها .. وهكذا.
وهو لا يمنح شهادة ولا درجة علمية معينة , وربما منح بعض المشايخ لطلابهم المتفوقين إجازات.
أمّا المقررات:
فتشمل متوناً كثيرة في علوم القرآن , والفقه , والأصول , والعقيدة , والسيرة , والتاريخ , واللغة , والنّحو والصرف , والبلاغة والمنطق , والطبّ , والحساب , وغير ذلك.
وتتم الدراسة في المحضرة على المراحل ثلاث:
1 - المرحلة الأولى:
وتبدأ بتعليم الحروف الأبجدية , ثم حفظ القرآن الكريم , ومعرفة رسمه , وضبطه , وتجويده بقراءة الإمام نافع , بروايتي قالون وورش , وأشهر المتون التي تدرس في علم التجويد:
نظم دُرر اللوامع لابن بري , وشرحه المُسمّى بالنجوم الطوالع على درر اللوامع , ومقدمة ابن الجزري , وهذه المرحلة تبدأ من السنة الخامسة , وتنتهي ببلوغ الحلم.
2 - المرحلة الثانية:
وتسمى فرض العين يدرس فيها الطالب متوناً في الضّروري من علوم الدين, مثل منظومة ابن عاشر , والأخضري , وأساسيات في النّحو مثل نظم ابن عبد ربّه, والآجرومية , ثمّ يدرس المعلقات ليستقيم لسانه على الفصحى , تمهيداً لدراسة متون أعمق وأوسع.
3 - المرحلة الثالثة:
وهي تعتبر بمثابة المرحلة الجامعية في التعليم النظامي المعاصر.
فتدرس فيها مهمات المتون المتداولة في المنطقة , ويتم التركيز في العقيدة على مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني, وعقائد السنوسي , (هذا هو المنهج العقدي الذي كان سائداً في الفترة الماضية ,امّا الآن فقد تغير هذا المنهج في بعض المحاضر , ولم تأخذ بهذا المنهج وإنما تأخذ بالمنهج السلفي الخالص).
وفي الفقه: رسالة ابن أبي زيد القيرواني , ومختصر خليل بن إسحاق , وتحفة الحكام لابن عاصم , والكفاف لمحمد مولود بن أحمد فال الشنقيطي.
وفي أصول الفقه: جمع الجوامع لتاج الدين عبد الوهاب السبكي , ومراقي السعود لعبد اللهابن الحاج ابراهيم العلوي الشنقيطي.
وفي النحو: ألفية ابن مالك , وغيرها ..
ويعتمد التعليم في المحضرة على الحفظ اعتماداً أولياً , فاشّناقطة لا يعدون علماً إلاّ ما حصل في الصّدور فوعته الذاكرة , متناً ومعنى .. وممّا يؤثر في ذلك أنّ قبيلة (تجكانت) كان فيها 300فتاة تحفظ موطأ الإمام مالك , وأنّ الطفل في قبيلة (مدلش) يحفظ المدونة , أضخم مرجع في الفقه المالكي , قبل البلوغ
¥