تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والتدبير، فهذه نحو مائة موضع أباح علماء المسلمين الاستنابة فيها من غير عذر وغالبها مما انعقد فيه الإجماع، أفلا يصلح أن تلحق الوظائف التي مبناها على الإحسان والمسامحة بواحد منها؟

ومن ألطف الفروع التي تجوز فيها الاستنابة ما ذكره إمام الحرمين في الأساليب أنه يجوز أن يستأجر رجلاً ليسرق له شيئاً من أموال الكفار من غير قتال ويكون ملكاً للمستأجر، ومن ألطفها أيضاً ما في فتاوي ابن الصلاح أنه يجوز أن يستأجر رجلاً ليقعد مكانه في الحبس فإذا كان هذا في الحبس المقصود منه الزجر والتعلق بإنسان معين ففي سد وظيفة أولى.

فصل: وأما القسم الثاني وهو ما يكون عند العذر ففيه فروع، منها جواز الاستنابة في الحج للمغصوب، وجواز الاستنابة في رمي الجمار لمن يحج بنفسه وحصل له عذر أيام الرمي، وجواز الاستنابة في الصوم عن الميت على ما صححه النووي ووردت به الأحاديث الصحيحة، وجواز الاستنابة في الاعتكاف عنه في قول حكاه البويطي عن الشافعي، وجواز الاستنابة في الصلاة عنه في وجه حكاه.

فصل: ذكر الحافظ عماد الدين بن كثير في تاريخه في ترجمة الشيخ محي الدين النووي أنه باشر تدريس الإقبالية نيابة عن ابن خلكان وكذلك الفلكية والركنية، وهذا من النووي دليل على أنه تجوز الاستنابة لأنه أورع من أن يفعل ما لا يجوز.

فصل: ومن الدليل على جواز الاستنابة أن جماعة من الصحابة كانوا يفتون الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلّم والإفتاء بالأصالة إنما هو منصب النبي صلى الله عليه وسلّم لأنه المبعوث لتبليغ الناس وتعليمهم، وإفتاء العلماء بعد وفاته إنما هو بطريق الخلافة والوراثة عنه، فإفتاؤهم في حياته بإذنه استنابة منه لهم ليقوموا عنه بما هو منصب له على وجه النيابة، وقد عقد ابن سعد في الطبقات باباً في ذكر من كان يفتي بالمدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأخرج فيه عن ابن عمر أنه سئل من كان يفتي الناس في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟ قال: أبو بكر، وعمر، وأخرج عن القاسم بن محمد قال: كان أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي يفتون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وأخرج عن أبي عبد الله بن نيار الأسلمي قال: كان عبد الرحمن بن عوف ممن يفتي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وأخرج عن كعب بن مالك قال: كان معاذ ابن جبل يفتي الناس بالمدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وأخرج عن سهل بن أبي حثمة قال: كان الذين يفتون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثلاثة من المهاجرين وثلاثة من الأنصار: عمر، وعثمان، وعلي، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وقد تحصل من هذه الآثار ثمانية كانوا يفتون والنبي صلى الله عليه وسلّم حي وقد جمعتهم في بيتين فقلت:

وقد كان في عصر النبي جماعة

يقومون بالإفتاء قومة قانت

فأربعة أهل الخلافة معهم

معاذ أبي وابن عوف ابن ثابت

فصل: ومن الدليل على جواز الاستنابة ما أخرجه عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد مسند أبيه عن علي بن أبي طالب قال: (لما نزلت عشر آيات من براءة دعا النبي صلى الله عليه وسلّم أبا بكر ليقرأها على أهل مكة ثم دعاني فقال لي: أدرك أبا بكر فحيث ما لقيته فخذ الكتاب منه فاقرأه على أهل مكة فلحقته فأخذت الكتاب منه ورجع أبو بكر فقال: يا رسول الله نزل في شيء؟ قال: (لا ولكن جبريل جاءني فقال لي لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك) وأخرج أحمد، والترمذي وحسنه عن أنس (قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلّم ببراءة مع أبي بكر ثم دعاه فقال: لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا إلا رجل من أهلي فدعا علياً فأعطاه إياه) فهذه استنابة من النبي صلى الله عليه وسلّم في تبليغ ما أمر بتبليغه، ثم لما أمر أن يستنيب رجلاً من قبيلة مخصوصة رجع إليه، فيستدل بفعله أولاً على جواز الاستنابة مطلقاً إذا سكت الواقف عن شرط، ويستدل بفعله ثانياً على أنه إذا خصص الواقف تخصيصاً يتبع شرطه، وأخرج الترمذي وحسنه عن ابن عباس قال: (بعث النبي صلى الله عليه وسلّم أبا بكر وأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات ثم أتبعه علياً فانطلقا فحجا فقام على أيام التشريق فنادى ذمة الله [ورسوله] بريئة من كل مشرك فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ولا يحجن بعد العام مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان ولا يدخل

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير